[تثبيت عمر رضي الله عنه لأصل الشورى في حياة المسلمين]
ويمضي عمر في الأصل الثالث، وهو أصل الشورى في حياة الأمة الإسلامية فيجعله أمراً واضحاً في كل شأن من شئون الحياة، فكانت الأمور في عصر عمر تجد، فكان يشاور رضي الله عنه ولا يستبد، وكان يعطي الحرية لكل من شاء أن يقول بالحق ما شاء، وأن يطلب بالحق ما شاء، ومن ذلك: أنه خرج هو ورجل يقال له الجارود، فمضى معه في الطريق، فإذا بامرأة تعترض طريق عمر، وقالت: يا عمر! لي إليك حاجة، فوقف عمر يسمع منها، فقالت: يا عمر! عهدي بك وقد كنت تسمى عميراً في سوق عكاظ تصارع الفتيان، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية! واعلم أن من خاف الموت خشي الفوت، فقال الرجل الذي مع عمر: إيهٍ! قد اجترأت على أمير المؤمنين، فأسكته عمر وقال: دعها يا جارود! أتعلم من هذه؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، فلعمر الله لـ عمر أحرى أن يسمع من قولها.
ويقول حذيفة رضي الله عنه:(دخلت على عمر وهو مهموم حزين، فقلت: ما أهمك يا أمير المؤمنين؟! قال: إني أخاف أن أقع في منكر فلا ينهاني أحد عنه منكم تعظيماً لي)، أي: أنه كان يخشى أن تصد هيبته الناس من أن يأخذوا حريتهم في بيان الباطل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال حذيفة:(والله! لو رأيناك خرجت عن الحق لنهيناك، ففرح عمر لذلك وقال: الحمد لله الذي جعل لي أصحاباً يقومونني إذا اعوججت).