[بعض الأمارات التي تدل على فساد العاطفة عند الداعية تجاه المدعو]
وقد يسأل الشاب ويقول: كيف أميز علاقتي بالمدعو حتى أعرف إن كانت في المسار أو خرجت عن الإطار؟ فأقول: هناك بعض الملامح لعلك إن سألت نفسك عنها وصارحت نفسك بها وجدت الحل الذي يجعلك تنبته إن كنت قد وقعت في بعض الخطأ: أولاً: مدى لزوم استمرار الصلة، فما مدى ما في نفسك من لزوم استمرار الصلة؟ وهل أنت ترى أنه لابد ألا يمر يوم إلا وتراه، وألا تمر ساعة إلا وتتصل به، وألا يكون لك غرض في أن تذهب إلى مكان إلا وتصطحبه وترافقه؟ إذا كان هذا متأصلاً بقوة فاعلم أن هذا مظهر من المظاهر التي قد تعطي مؤشراً للتنبيه من الخطر.
ثانياً: عدم النصح في الأخطاء، وهذا معلم بارز، فعندما يخطئ هذا المدعو فالأصل أنك تنصحه، ولا أقول لك: أغلظ له في القول، ولا أقول لك: كن عنيفاً معه، لكن إذا لم تنصح لا تصريحاً ولا تلميحاً ولا بالحكمة ولا بالأسلوب الحسن، بل كان همك أو ديدنك غض الطرف فاعلم أنك قد وافقته في هواه، وأنك قد تغلغل بعض الحب في قلبك، فلم تعد تريد أن تغضبه، أو أن تكسر خاطره، أو أن تجرح مشاعره، أو أن تخالفه في رأي أو قول، فإذا أردت أن تذهب للنزهة في مكان وقال هو مكان آخر قد يكون فيه ما فيه فإنك لا تعارضه في ذلك.
ثالثاً: التبرير لكل خطأ أو لكل نقدٍ قد تسمعه من غيرك، إذ لا تكتفي بمجرد إقرارك بأخطائه، بل يقولون لك: إن فلاناً فيه اعتزاز بنفسه أو غرور، فتقول: لا؛ إن الله جميل يحب الجمال، ويقولون لك: إنه يفعل كذا وكذا، فتقول: إن طبيعة بيئته أو ظرفه كذا وكذا، فأنت هنا أيضاً تبرر أموراً كثيرة، ولا بأس أن تلتمس لأخيك الأعذار، لكن كثرة التبرير ودوامه مؤشر من هذه المؤشرات.
رابعاً: التأثر بالغيرة من الآخرين، فإنك إن رأيته صحب فلاناً انقبضت نفسك، وإن رأيته كان متأثراً أو معجباً أو مشيداً أو مادحاً بفلان لعلمه أو لحسن بلاغته أو لقوة تأثيره رأيت أن ذلك يشعرك ببعض الضيق أو التضرر، فاعلم أن هذه المؤشرات والصور كلها دلالات على أن المسار قد خرج عن الإطار المطلوب، فاضبط عاطفتك بضابط الشرع، ونظمها وقومها بالعقل الذي تخطط فيه لهذه الدعوة مع هذا المدعو، فتحكم في الأمر، وقل: سأفعل معه كذا، وسأعطيه كذا، وسأسأله عن كذا، وسأعالج فيه أمر كذا من خلال كذا وكذا، ولا تترك الأمر هكذا عبثاً ومجالس فيها ضحك وكلام ينتج عنها مثل هذه المواقف.