إن الصورة المحزنة المؤلمة المتكررة الدائمة التي ألفها الناس حتى صاروا ينكرون على من ينكرها هي: السؤال في المساجد والتسول فيها، مع أننا نسمع قول الله جل وعلا:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:١٨] قال السعدي في تفسيره: المقصود الأمران معاً: دعاء العبادة، ودعاء المسألة.
فكيف تسأل في بيت الله غير الله؟ وقد كان هشام بن عبد الملك يطوف مرة بالبيت الحرام، فلقي بعض العلماء من أئمة التابعين، فسلم عليه وقال له: سلني حاجتك.
قال: إني أستحي من ربي أن أسأل غيره وأنا في بيته! فلما خرج قال: نحن الآن قد خرجنا من المسجد فسلني حاجتك.
قال: من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟ قال: من أمر الدنيا؛ فأمر الآخرة لا أملكه.
قال: أنت تملك الدنيا؟ قال: لا.
قال: فإني لم أسألها ممن يملكها فكيف أسألها مما لا يملكها! وهذا من الأمر المهم، ولكننا نلتفت هنا إلى حديث لو تأملنا في نصه لأدركنا أننا لا ننتبه ولا نتعلم ولا نعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الصحيح، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري في صحيحه، يقول فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام:(من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا)، فهذا لا يسأل الناس مالاً، وإنما ضلت عليه ناقته فيقوم فيقول للناس: بعيري هل رآه منكم من أحد؟ فقال عليه الصلاة والسلام:(من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا).
وفي رواية أخرى عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من نشد عن الجمل الأحمر؟ ثم قال: لا رده الله عليه).
هذه مسألة مهمة ينبغي أن نعرف أن السؤال وخاصة على الهيئة التي نراها من التشكي، وعرض ما قد يكون صحيحاً أو غير صحيح من أنواع البلاء والابتلاء الرباني، كأنما هو اعتراض على قدر الله، وكأنما هو شكوى لغير الله، ثم هو في غير موضعه الصحيح وعلى غير صفته المشروعة في حال من الأحوال، فإن أنكر مُنكِرٌ أو قال: لا تفعل هذا، تحركت القلوب برحمة غير مدركة للحكمة، وربما أنكرت على ذلك المُنكِر، وهذا من الأمور التي ينبغي التنبه إليها.
وقد ذكر المفسرون في قوله عز وجل:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}[الجن:١٨] وكذلك في قوله: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[الأعراف:٢٩] أن الدعاء قسمان: دعاء العبادة، ودعاء المسألة، فلا يسأل في بيوت الله غير الله جل وعلا.