[حقوق الإنسان في الأعراف الدولية وأوضاع المسلمين في فلسطين]
وهناك مثل آخر صارخ جداً يتعلق بأحوال المسلمين في دولة فلسطين السليبة، تجد أيضاً أن الوقائع أكثر من أن تحصى، وتجد أن هذه القوانين مجرد حبر على ورق.
سأفيض هنا قليلاً في بعض الإحصاءات والأرقام المتعلقة بهذا الشأن، فسنجد في فترة زمنية محدودة تبلغ نحو عشر سنوات أنه صدرت في حق إسرائيل نحواً من عشرة قرارات من لجان حقوق الإنسان، وهذه القرارات نوجز ما ذكر عنها في فترات متباعدة، وهي كلها تدين وتشجب وتبدي الأسف وتنظر بعين القلق وما يلحق بذلك، ولا ينفذ من هذه القرارات شيء مطلقاً، بل إننا نجد أيضاً أن الدول الكبرى التي تدعي حقوق الإنسان ونحو ذلك أنها تعارض حتى هذه القرارات الهزيلة بصياغاتها الضعيفة جداً، فمن بين هذه القرارات نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية امتنعت في قرارين عن التصويت، وفي أربعة من هذه القرارات صوتت ضدها، وهذا أيضاً يدل على أن مسألة موازين القوى متعلقة بالعقائد والمصالح، وأنه ليست هناك قضية العدل وتحري إقامة القانون بموجب ما هو منصوص عليه.
وهذه القرارات كما ذكرت تدعو دائماً إلى القضايا المنتهكة بالنسبة لحقوق الإنسان.
الذي قتل من المسلمين الفلسطينيين عشرات الآلاف، أما المشردون فيبلغ عدد المهجرين من الفلسطينيين منذ بداية (١٩٤٨م) إلى اثنين مليون ونصف ما يزالون خارج ديارهم وأرضهم، سواءً الذين لازالوا في المخيمات أو استوطنوا في بعض الديار، أو هاجروا إلى بلاد الشرق والغرب وغير ذلك.
أحب أن أذكر وأشير إلى نص واحد من نصوص هذه القرارات حتى نرى هذه الانتهاكات المذكورة في نصوص قرارات الأمم المتحدة نفسها.
هذا القرار رقم (١٠) في الدورة السادسة والعشرين في (٢٣/ مارس/ ١٩٧٠م) وعنوانه: إدانة خرق إسرائيل المستمر لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، يقول: إن لجنة حقوق الإنسان إذ تذكر المبادئ التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإذ تذكر قرار المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان رقم (كذا) في تاريخ (كذا)، وإذ تذكر قرار مجلس الأمن رقم (كذا) وقراره رقم (كذا) وقرار الجمعية رقم (كذا) وتلخص مضامين هذه القرارات، وإذ تذكر أيضاً قرار الدورة الخامسة والعشرين التي قررت تأليف لجنة لتقصي الحقائق، وإذ تضع نصب أعينها أن الاتفاقية السالفة الذكر ملزمة لإسرائيل، وإذ تعرب عن قلقها العميق بسبب الظروف المتدهورة الخاصة بحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، وإذ تشعر بالانزعاج الشديد من التقارير الحديثة عن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلية بعملية طرد جماعي للاجئين، وقد تلقت ودرست تقرير فريق العمل، وتقرر الآتي: أولاً: تلاحظ بخيبة أمل رفض إسرائيل التعاون مع فريق العمل السالف الذكر الذي ألفته لجنة حقوق الإنسان.
ثانياً: تؤيد النتائج التي انتهى إليها فريق العمل بشأن تطبيق (اتفاقية جنيف) الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب على كل المناطق المحتلة، وتفيد التقارير على أن هناك انتهاكات لتلك الاتفاقية في المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي.
ثالثاً: تدين إسرائيل لرفضها تطبيق تلك الاتفاقية وخصوصاً الانتهاكات التالية: - التدمير الكلي والجزئي لقرى ومدن في المناطق المحتلة.
- إقامة مستوطنات إسرائيلية في المناطق العربية الخاضعة للاحتلال العسكري.
- عمليات ترحيل وطرد السكان المدنيين غير القانونية.
- الأعمال القسرية لإرغام السكان المدنيين الخاضعين للاحتلال على التعاون مع السلطات ضد إرادتهم.
- إلغاء القوانين القائمة في المناطق المحتلة.
- كل سياسات وإجراءات العقاب الجماعي.
رابعاً: تأسف على السياسات والأعمال الرامية إلى ترحيل اللاجئين الفلسطينيين.
خامساً: تعرب عن قلقها العميق إزاء استخدام وسائل القسر لانتزاع المعلومات والاعترافات انتهاكاً لنصوص الاتفاقية المعنية.
- سوء معاملة وقتل المدنيين دون أي استفزاز.
- اعتقال الناس بأوامر إدارية لفترات تجدد تلقائياً إلى ما لا نهاية.
- حرمان هؤلاء المعتقلين من أي ضمان خاص في مدة الاعتقال.
- حرمان المتهمين من استشارة محام يختارونه.
- تدمير واغتصاب الممتلكات المنقولة وغير المنقولة.
سادساً: تدعو إسرائيل مرة أخرى إلى التقيد بدقة لتلك الاتفاقية.
سابعاً: تدعو إسرائيل إلى القيام حالاً بالآتي: - إلغاء جميع الإجراءات والكف فوراً عن القيام بأي عمل مناف للقوانين.
- الإحجام عن إقامة المستوطنات.
- أن تكف فوراً عن إجبار سكان المناطق المحتلة التعاون مع السلطات.
- ضمان العودة الفورية للمهاجرين إلى ديارهم.
- الكف فوراً عن ترحيل المدنيين.
تاسعاً: تثني على فريق العمل الخاص على ما قام به، وتقرر أن يستمر في التحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية لهذه الاتفاقيات، وتبحث بصورة خاصة عن الدلائل المتعلقة بحالات التعذيب، كالحالات الأخرى لانتهاك الاتفاقية مثل إقامة المستوطنات.
وأخيراً: تدعو إسرائيل لاستقبال فريق العمل الخاص والتعاون معه، وتقرر الاستمرار في إدراج مسألة انتهاك حقوق الإنسان في تلك المناطق في جدول أعمال اللجنة، وتطلب من الأمين العام نشر التقرير، وتطلب أيضاً أن يرفع تقرير فريق العمل الخاص إلى الجمعية العامة.
هذا نص القرار وكله إعراب وتنديد وشجب وأسف وحزن وغير ذلك، ثم نجد أن الذين صوتوا ضد هذا القرار كثير، ومن الدول التي امتنعت عن التصويت على هذا القرار: فرنسا، وبريطانيا، وأمريكا وغيرها من الدول.
هذا الكلام الذي كما ذكرت لا يعدو أن يكون حبراً على ورق ومع ذلك نجد أن الدول العظمى التي تدعي رعاية حقوق الإنسان وبقوانين نفس الأمم المتحدة وبتقارير خبرائها وبإشرافها المباشر وتحقيقاتها المباشرة، نجد أن كل القرارات التي تقدمت بها لجان حقوق الإنسان لم تلق أبداً أية استجابة لا في قليل ولا في كثير، بل إن إسرائيل تندد بهذه القرارات وتعتبرها نوعاً من الظلم، أو استهلاكاً دعائياً كما ورد في تصريحات كثيرة لهم، حتى إن لجان حقوق الإنسان في تقاريرها السنوية أصبحت لا تستطيع أن تدرج تقرير إسرائيل ضمن التقرير العام، فتفرد لها كتيبات أو كتب خاصة بأحوال حقوق الإنسان في أرض فلسطين.