الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، وإن من تقوى الله تجديد الإيمان وإحياؤه في القلوب؛ حتى تُعمر هذه القلوب بتقوى الله سبحانه وتعالى، وإن الصور التي نجد فيها المفارقات الإيمانية بين ما هو مطلوب منشود وما هو واقع محزن كثيرة.
ولعلي أختم هذا المقام بقضية مهمة خطيرة لا تقل خطراً عن كل ما ذكرناه، وهي متعلقة بالإيمان وحياته في القلب، تلكم هي الصفة المهمة: صفة الخشوع الإيماني، فالقلوب الخاشعة تتبعها العيون الدامعة والجباة الخاضعة والألسن الضارعة، إن أمراً يملأ قلب المؤمن بهذا الإيمان يجعله دائماً يستحضر عظمة ربه جل وعلا، ويستحضر خوفه، ويستحضر تعظيمه وإجلاله وتقديره سبحانه وتعالى كما ينبغي، قال عز وجل:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:٦٧].
إن هذا أمر مهم؛ لأنه يتعلق بصلواتنا اليومية وفريضتنا الثانية بعد التوحيد والشهادة، هذه الصلاة التي جوهرها الخشوع تدعونا اليوم -ونحن نعرف حالنا، ولا نحتاج أن نكشف أو نهتك سترنا- إلى أن نسأل: أين القلوب الخاشعة؟ تلك القلوب التي يصفها ابن القيم رحمه الله فيقول: الخاشع لله عبد، قد خمدت نيران شهوته، وسكن دخانها عن صدره، فانجلى الصدر، وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهواته، وصار مخبتاً لربه، والله جل وعلا يقول في وصف المؤمنين:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:١ - ٢]، فجعل ذلك الوصف أول الأوصاف؛ لأنه يتعلق بأعظم العبادات، ويتعلق بالجوهر العظيم في هذه العبادة، وروى الطبراني في معجمه الكبير بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعاً).
إنه أمر لو تدبرناه وكنا صرحاء لقلنا عن حالنا: إننا نصلي وقلوبنا لاهية، وعقولنا منشغلة، وأجسادنا خاوية من حقيقة استحضار عظمة من نقف بين يديه، قال بعض السلف كلاماً نفيساً أحسب أننا لو تأملنا فيه فقد يزيد حزننا؛ لكننا نحتاج إلى ذلك، قال: الصلاة كجارية تهدى إلى ملك، فما الظن بمن يُهدى إليه جارية شلاء، أو عوراء، أو عمياء، أو مقطوعة اليد أو الرجل، أو مريضة، أو دميمة، أو قبيحة حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح؟ فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى؟ والله طيب لا يقبل إلا طيباً، وليس من العمل الطيب صلاة لا روح فيها.