للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإسقاط والمصادرة]

الإسقاط والمصادرة هي أعلى درجات الاختلاف والتنازع دون التكفير، وهو أنه مجرد أن يكون بينه وبين آخر اختلاف يحرص أن يسقطه، وأن يصادر قوله بالكلية، بما فيه من حق وصواب، وبما فيه من حسن وإساءة، وهذا لا شك أنه من البغي والعدوان، وقد سبق في درس الحوار أن ذكرت نصاً لشيخ الإسلام ابن تيمية فيما يتعلق بمثل هذا الأمر، فإنه قد يكون في عمل الإنسان الصائب بعض الخطأ، فيدفع الآخر الذي ينكر هذا الخطأ إلى خطأ أكبر حينما يرد العمل كله بصوابه وخطئه، وهناك بعض الناس أحياناً يجترئ ويعتد بالخصومة، فإذا كان خصماً أو مفارقاً أو مخالفاً لشخص آخر فإنه ينظر أي السبل أسرع في إسقاطه، وأي الطرق أنجح في مصادرة قوله، أو إبطال التفاف الناس حوله، أو إبطال سماع الناس له.

ويختلف هذا باختلاف الناس، قد يأتيك شخص ويقول لك: هذا لا يحب العلم، هل أنت ممن يتحرز منه؟ أو يقول: ترى أن بعض الأمور ليست مطابقة للأولى، ومخالفة لما ينبغي أن يكون، فيأتيك من هذا المدخل، فهو ينظر المدخل الذي يناسبك ليصرفك عن فلان أو عن فلان أو عن الكتاب الفلاني، أو عن كذا، ينظر إلى أيسر الطرق دون أن يراقب الله سبحانه وتعالى في ذكر الخير والحسنات، وذكر الصواب والإشارة إلى ما يحصل به للمنصوح من الفائدة، فإن الذي استنصحك قد استأمنك وألقى في عنقك أمانة من الله عز وجل أن تؤدي له القول خالصاً لله، فلا تغشنه في نصيحتك وتأتي له بهذا النوع من الأساليب التي لا يستخدمها إلا من لا خلاق له ولا إيمان عنده، ولا تقوى ولا ورع من أهل الدنيا ومن أهل المناصب ومن أهل السياسة المحضة، الذين همهم أن يغنموا وأن يكسبوا ولو كان ذلك على حساب غيرهم، ولو كان ذلك بغياً وعدوناً، ولو كان ذلك كذباً وافتراءً، ولو كان ذلك تدليساً وتوهيماً للناس، فإن مثل هذا لا شك أنه من أكبر الخطأ والخطر، وكثيراً من مثل هذه الأمور تلتبس على الشباب، فإنه يرى خيراً ويسمع خيراً، ثم يأتيه من يأخذ من بين هذا الخير أمراً معيناً يجعله أساساً وركيزة ليوهم سامعه أو مستنصحه ألا يغرنك هذا الخير، ولا تغرنك هذه الكثرة، ولا تغرنك هذه الإيجابيات، فإنها كلها غير مؤسسة على أمر صحيح، ولا بد أن تبتعد عنها، وأن تنأى بنفسك عنها! فهذا لا شك أنه خطر عظيم ينبغي أن يتوقاه الإنسان.