بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل الله، ومن يضلل فلا هادي له، ونصلي ونسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيد الأولين والآخرين، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، نبينا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الرحمين.
أما بعد: فأيها الإخوة الكرام! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهذا موعدنا مع الدرس الثالث بعد المائة في يوم الجمعة الموافق للثامن من شهر الله المحرم عام ١٤١٥هـ.
وعنوان هذا الدرس:"الترجمة النورانية لـ ابن قيم الجوزية " وهي وقفات يسيرة مع ترجمة عالم من علماء الأمة، وعلم من أعلامها، ومجاهد من مجاهديها، الذين أجرى الله عز وجل على أيديهم خيراً كثيراً، ونفعاً عميماً، وخلد لنا من سيرتهم ومن آثارهم وكلامهم وعلمهم شيئاً كثيراً، والحقيقة أن هذا الموضوع أعرض منه ما أحسب أنه يفيد لعموم الإخوة، سيما في مثل هذا الدرس، وأعرض عما قد يكون من أمور يحسن عرضها للمتخصصين في علوم الشريعة أو بعضها على أقل تقدير، ونحن نريد أن نقتبس أنواراً من ترجمة ابن القيم في حاله وفي منهجه.
في حاله: من خلال أخلاقه وعلمه وعبادته وما يتعلق بذلك.
وفي منهجه: من خلال أمور كثيرة تميز بها وبرز فيها، وهي من أعظم ما نحتاج إليه في مثل أوقاتنا المعاصرة.
وأول ما نعرج عليه هو تسمية ابن القيم رحمة الله عليه.
هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي الحنبلي يكنى بـ أبي عبد الله، ويلقب بـ شمس الدين، ويعرف بـ ابن قيم الجوزية، وهذه الشهرة قد تختصر فيقال: ابن القيم، وقد يقع الخطأ في تسميته كما هو واقع من كثيرين، فيقال: ابن القيم الجوزية أو ابن الجوزية وهذا وذاك غير صحيح.
فالقيم: هو الذي يقوم على الأمر، ويكون قائماً بشئونه وما يحتاج إليه، فيقال مثلاً: قيم المسجد: أي: المسئول عنه، القائم بشئونه، وقد كان أبوه قيماً على الجوزية، والجوزية مدرسة ودار فيها كتب، فـ ابن قيم الجوزية هو ابن الرجل الذي كان قيماً على الجوزية، ولو اختصرت فقلت: ابن القيم لكفى بغض النظر عما كان قائماً بشأنه من الأمور والأعمال.
كانت ولادته رحمة الله عليه في السابع من شهر صفر عام (٦٩١هـ) أي: في أواخر القرن السابع الهجري، وكانت وفاته في السابع عشر من شهر رجب عام (٧٥١هـ)، أي: على رأس النصف الثاني من القرن الثامن، وكانت مدة حياته ستين عاماً، وكان له خلالها جهد كبير وتاريخ عظيم.