لو تأملنا فإن هذه الحقيقة الواعظة قوية في تأثيرها، جاءت في كثير من المواقف فأدت دورها، وأثرت تأثيراً عظيماً حتى فيمن كان من الطغاة أو المتجبرين، أو كان من الأثرياء المسرفين، فإن حقيقة نهاية الحياة، وإن المرد إلى الله حقيقة عظيمة لو أننا نوقن بها حقاً، ونحسن عرضها والتذكير بها لوجدنا خيراً كثيراً.
ألسنا نسمع ونقرأ قصة مؤمن آل فرعون وهو مؤمن واحد في بيئة كافرة، ومع طاغية جبار، كان يجابههم بهذه الحقيقة ويذكرهم بها:{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}[غافر:٤١]{تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}[غافر:٤٢].
قولوا ذلك للناس، قولوا لكل من يعصي: إنما ندعوك لخيرك، إنما نكلمك لمصلحتك، إنما يحرقنا حبنا لك، وغيرتنا عليك، وإشفاقنا عليك، ورغبتنا في أن نسلم من سخط الله عز وجل وغضبه! ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى النار، إلى أين تريدون أن تقودوننا إذا سرنا وراء الفسقة والفجرة فضلاً عن الكفرة الذين لا يؤمنون بالله عز وجل؟! أين سنمضي إذا سرنا وراء مذاهب الأرض من شرق أو غرب؟ أين سنمضي وراء السلوكيات المنحلة المنحرفة، والفنون الماجنة الداعرة؟! ما الذي سنصل إليه؟! هل سنحقق قوة لأمتنا؟ هل سنتقدم بين الأمم في العلم؟ هل سنقود الأمم بقوة سواعدنا وأسلحتنا، أم أننا سنهز الوسط، ونجيد الرقص، ونكثر الغناء؟ حتى أصبح لكل عدد من مواطني العرب في بلاده عدد كاف من المغنين أو المغنيات أو الراقصين والراقصات.
لابد أن نقول: ما لنا ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى النار، إلى المصير الذي لا فائدة فيه ولا نفع في الدنيا، ولا يكون موضع أمل بنجاة ورحمة في الآخرة، نسأل الله من فضله.
ثم يمضي قائلاً:((لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) [غافر:٤٣] هذه حقائق القرآن الواعظة المذكرة، نسأل الله عز وجل أن تنزل من قلوبنا منزلاً في الادكار والاعتبار، ومنزل القبول والعمل بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.