[حتمية المواجهة لأعداء الله]
ينبغي أن نوقن أننا على أرض صلبة قوية، وأننا على يقين وإيمان راسخ ثابت، وأننا على وعد وأمل صادق لا يتخلف متى كنا مؤمنين بالله، مسلمين حقاً، ملتزمين أمر الله، متبعين لسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سنندد ونهدد بآيات الله، وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن على يقين من أمرنا، وعلى بينة من نهجنا، وعلى ثقة من وعد ربنا، نرى حقائق الأمور ببصيرة الإيمان، ونبصر في ظلمات الشبهات أنوار القرآن، ينبغي أن نرجع إلى تلك المنهجية التي لا زلنا نكرر أهميتها.
فنقول: إن هذا التهديد والوعيد وإن كنا نخص به أعداء الله أولاً، والمرجفين والظالمين والطغاة والبغاة من أبناء ملتنا ثانياً، فإننا لا نستثني منه أنفسنا، فقد جاءنا من آيات الله، ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يواجه تقصيرنا وتفريطنا، وغض أبصارنا عن الظلم، ورضا قلوبنا ونفوسنا بالانحراف ووقوع المنكرات، فكل ذاك المفرط والمختلف عن أمر الله، والذي لا يقوم بالواجب في حقه إزاء دين الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٢ - ٣٥].
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى) وإن حشدوا القوات والطائرات والجيوش المتحالفة، والقوى المتعاظمة (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) ستدور الدائرة عليهم يقيناً لا شك فيه، وسيحيق المكر السيئ بأهله صدقاً لا كذباً ولا مراء فيه، وسيحبط الله أعمالهم، ونحن نؤمن بما يقول الله جل وعلا، ولا نؤمن بما يقوله الكذبة من الساسة والمنافقين من غير المسلمين ومن المتمسلمين.
ثم يلتفت النداء القرآني إليكم معاشر المؤمنين، كيف تواجهون ذلك؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) لا قدرة لكم على المواجهة، ولا أمل لكم في القدرة على المغالبة إلا بالاستمداد من الله إلا باتباع هدي رسول الله إلا بالعمل على سنة الله إلا بالتحقق والتحقيق لوعد الله؛ وإلا فإن أعمالكم هباء، وإن جهودكم ليس فيها غناء، وإن أقوالكم حجج عليكم وليست لكم، كم سمعنا من الأقوال! كم سمعنا من البيانات! كم رأينا من المؤتمرات تأتلف أو لا تأتلف، تجتمع أو لا تجتمع! كلها لا قيمة لها؛ لأنها ليست على منهج الله.
ثم يخبرنا الحق جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ).
ومرة أخرى يقول الحق جل وعلا في آياته: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، استمعوا إلى هذه النداءات القرآنية، والتوجيهات الربانية! (وسيحبط أعمالهم) قال السعدي: أي: مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل، بألا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران.
ألم يقولوا في كثير من مواجهاتهم: إنها أوقات قصيرة، وإنها معارك هزيلة؟ ما زال الحر من نارها، والشرر من رجالها يحرقهم، يقذف الرعب في قلوبهم، ويفرق صفوفهم، وسيحبط الله جل وعلا أعمالهم.
(فَلا تَهِنُوا) قال ابن كثير: لا تضعفوا عن الأعداء.
(وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي: المهادنة والمسالمة.
قال السعدي: لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف؛ بل اصبروا واثبتوا، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد؛ طلباً لمرضاة ربكم، ونصحاً للإسلام، وإغضاباً للشيطان، ولا تدعوا إلى المسالمة بينكم وبين أعدائكم طلباً للراحة، والحال أنكم أنتم الأعلون.
ثم ذكر الله عز وجل أموراً ثلاثة من تمسك بها لا يخشى قوى الأرض مجتمعة، ولا يتراجع قيد أنملة إلى الوراء، ولا يستطيع أحد أن يوصل إلى قلبه خوفاً أو إلى نفسه يأساً: (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، أنتم الأعلون بالاستعلاء بالإيمان ومنهج الإسلام، وأنتم الأعلون بما توفرون من أسباب القوة والقدرة على مواجهة أعدائكم، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:١٦٠]، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:١٢]، ألم يقع ذلك في بدر؟ ألم يحصل مثله في الأحزاب؟ ألم نره عبر تاريخ أمة الإسلام في كل المواقع والمعارك والمواجهات؟ هل صار المسلمون اليوم في شك من دينهم، وفي ضعف إيمان بآيات ربهم الكثيرة في كل من يصد عن دين الله، ويحارب دين الله؟ (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، لن ينقص أجوركم وثوابكم حتى ولو لم تتحقق النتائج على أيديكم، (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي: لن يجعلها حابطة كغيرها، بل ستثمر اليوم أو غداً أو بعد غد؛ لأن الله عز وجل وعد كل عامل بالخير ومحقق لوعده أن ينجز له سبحانه وتعالى ما وعد.