وتأتينا الوقاية النفسية من أمراض كثيرة وعلل عديدة من أهمها: شح النفس وأمراض القلب؛ قال تعالى:(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٩].
وهناك وقاية أخلاقية تسلم الإنسان من الفواحش والفتن، قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:١٥١]، وقال جل في علاه:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء:٣٢]، والتعبير القرآني بقوله: (وَلا تَقْرَبُوا) يعني: لا تفعلوه ولا تقربوا منه، أي: لا تفعلوا ما يؤدي إليه أو يقرب منه، فالنهي أعظم وأشمل، والوقاية أتم وأكمل، ونرى في ذلك كثيراً وكثيراً من الآيات التي تبين لنا هذا الوجه وتحثنا عليه.
وتأتينا الوقاية الاجتماعية التي تسلم المجتمع من الأمراض التي تفتك به وتقطع أواصره وتجعل الشحناء في القلوب والبغضاء في النفوس؛ فيأتينا قول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات:١٢]، وهذه الآيات هي في التحذير والوقاية، وفي التنبيه على الأمر اليسير الذي قد يكون ظناً يجول بالخاطر ويحوك في النفس، وإذا به ينتقل من طور إلى طور حتى يدفع إلى التجسس والتحسس، ثم يدفع إلى القول والغمز واللمز والغيبة والنميمة، ثم يدفع إلى التباغض والتدابر، ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، والله سبحانه وتعالى ينهانا عن هذا فيقول:{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج:٣٠]، أي: لما يؤدي إليه أيضاً من المشاكل الاجتماعية الخطيرة.
وقال سبحانه:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران:١٠٥]، وقال:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣]، فأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة حماية من الفرقة حتى يبقى المجتمع متماسكاً مترابطاً.
والوقاية الاقتصادية في أن يكون الإنسان المسلم متبعاً لشرع الله في بيعه وشرائه وكسبه وإنفاقه، كما أخبر الحق سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[البقرة:٢٧٨]، وقليل الأمر في مثل هذا وكثيره سواء، والله سبحانه وتعالى يسوق لنا الآيات في كثير من جوانب الحياة ليعلمنا ما الذي يدعونا إليه إيماننا، وما الذي يرسمه لنا إسلامنا، ثم ليحذرنا ويقينا ويسلمنا من الزيغ والضلال والانحراف عن ذلك، ويكشف لنا ما يئول إليه الأمر، أو ما آل إليه الأمر بالفعل لمن ارتكب مثل ذلك من أهل الكفر والضلال؛ فإن العاقبة تكون وخيمة، والخاتمة تكون شر خاتمة، نسأل الله عز وجل السلامة.