للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولاً: القبول والتصديق

الكلمة تنطق بها وتكتبها فتجد من يقبلها ويصدقها، وقد يساعد على ذلك أمور، منها: الصلة والثقة، فإذا كنت موضع ثقة عند السامعين لك فإن كل كلمة تقولها يأخذونها مأخذ القبول والتصديق، ويعتبرونها مسلمة ويبنون عليها تصرفات وأحكاماً إلى غير ذلك.

ومن أساليب الوصول إلى القبول والتصديق: التركيز والتكرار، وهذا ما تستخدمه وسائل الإعلام، فمع طلوع الفجر تذكر الخبر، وعند الظهيرة تؤكده، وعند العصر تردده، ثم تصوره، حتى يصدق الناس ما كان كذباً من الأخبار، وكما يقول بعض الناس -وهي مقالة باطلة، لكن لنا في الواقع بعض الشواهد الناطقة-: اكذب واكذب حتى يصدقك الناس.

وكما نسمع في الطرفة الدائمة أن أشعب دعا الناس إلى وليمة كاذبة، فكان كلما لقي واحداً قال له: العشاء عند فلان.

فتناقل الناس الخبر، وصار هو يسمع ما يتناقله الناس من أن العشاء عند فلان، فقال: لعل الخبر صحيح.

فذهب مع الناس.

وهكذا الكلمة عندما تترد وتتكرر وتتنوع أساليبها وتغزو عقول الناس فإنهم يقبلونها ويصدقونها، بل تكاد الكلمة عبر وسائل الإعلام أن تحاصر الإنسان محاصرة، فهي تغزوه من جهة النظر، وتغزوه من جهة السمع، فغزوه من جهة النظر عبر القراءة وعبر المشاهدة، ومن جهة السمع عبر الإذاعة وعبر وسائل أخرى متنوعة من شريط وبث مباشر وغير مباشر، فيقع للكلمة فاعليتها الخطيرة.

ولذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطورة الكلمة التي تنتشر وتذاع لكثير من الناس دون الكلمة التي تخص؛ لأنك لو قلت كلمة لفرد واحد وأخطأت فيها فإن الأمر هين وميسور، ويمكن أن يصحح الخطأ، لكن الكلمة التي تنتشر وتذاع وتعم الآفاق في بضع ساعات، بل ربما في بضع دقائق، بل ربما في بضع ثوان هذه كلمة خطيرة.

فمن هذا ما ورد في صحيح البخاري عن النبي عليه الصلاة والسلام: أنه رأى في رحلته إلى السماوات العلا رجلاً يوضع في شدقيه كلاليب من نار، يشق بها شدقه الأيمن من أوله إلى آخره، ثم يشق بها شدقه الأيسر فيعود الأيمن كما كان، ثم يشق مرة أخرى ويلتئم من جديد، وهكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن هذا الرجل قال: هو الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، ولذلك تأتي الخطورة والفاعلية من هذا الجانب.