تأملوا هذا الحديث الذي يبين لنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم أثر العلم في السلوك والتربية، وأنها غايته، وأنه وسيلتها في الوقت نفسه، قال صلى الله عليه وسلم:(لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الطرقات تجأرون إلى الله بالشكوى)، فلو علمنا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الدنيا والآخرة، ومن أمر عظمة الله عز وجل، وما أنعم به على الخلق، وما وعدهم به من الثواب والنعيم وغير ذلك، لكان الحال غير الحال.
إذاً: العلم أثره في السلوك عظيم، فكيف نجد من يضحك ملء شدقيه، ويأكل ملء ماضغيه، وينام ملء جفنيه، ويلهو ويلعب، ثم نقول: إنه عالم؟! فأين أثر علمه بأنه إنما يعيش في دار ممر لا مقر؟! وأين أثر علمه بأنه غريب عن هذه الحياة يوشك أن يرتحل؟! وأين أثر علمه بأن مآله إلى موت وقبر وظلمة ووحشة؟! وأين أثر علمه بأن بعد ذلك بعثاً وحشراً ونشوراً وحساباً وثواباً وعقاباً؟! إن العلم الحق هو الذي يستقر في القلب ويوجه الإنسان في كل جوانب حياته، وفي كل مكوناته من عقله وفكره وكلامه وجوارحه، وذلكم هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلكم هو ما كان يحذر منه ويدعو بالبعد عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم:(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) رواه مسلم في صحيحه.
فعلينا أن نتأمل هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل الله عز وجل الوقاية من كل ما لا يثمر ثمرةً محمودة، ولا يؤدي إلى أثر إيجابي.
وقد ضرب الله مثلاً لمن لم يعمل فقال:{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة:٥]، وقال:{كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ}[الأعراف:١٧٦]، فمن هو الذي يريد أن يكون في موضع هذا المثل؟ نسأل الله عز وجل السلامة من ذلك، ونسأل الله لأبنائنا وبناتنا ومعلمينا ومعلماتنا ومسئولينا ومسئولاتنا أن يراعوا ذلك، وأن يتقوا الله في الأمانة التي في أعناقهم، إنها أمانة التربية قبل التعليم، فالتعليم يؤدي إلى تربية، والتربية مصدرها ومبناها هو جزء من أساسياتها في ذلك التعليم، وليس في التعليم الذي هو متعلق بكتاب الله أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كل العلوم قائدة إلى تعميق الإيمان وترسيخ اليقين، وكل العلوم فيها لفتات وتوجيهات وإرشادات ودلالات على عظمة الخالق وعلى عظمة ما جاء به منهجه وتشريعه، ألسنا اليوم نعلم ما هو معلوم من الإعجاز العلمي في كتاب الله وسنة رسوله؟! ألسنا ندرك أن عظمة الخلق التي ندرسها في الفيزياء أو الكيمياء أو الأحياء إنما هي شواهد على عظمة الخالق وعلى دقة خلقه جل وعلا، وعظمة ذلك؟ أليس جديراً بنا أن نلفت نظر أبنائنا وبناتنا إلى ذلك؟ أليس من المطلوب أن نستل من ذلك ما فيه ومضات إيمان وإشراقات أخلاق وإرشادات سريعة عظيمة مؤثرة بليغة؟