للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تطهير القلوب من وحل الشرك]

فلذلك لابد أن نسعى إلى تطهير القلوب، وإلى تطهير العقول، وإلى تطهير الجوارح عما حرم الله سبحانه وتعالى، وأول أمر وآكد أمر: التطهر من كل صورة من صور الشرك صغيراً كان أو كبيراً، ظاهراً كان أو باطناً.

طهروا قلوبكم من التعلق بغير الله عز وجل، طهروا قلوبكم من التوكل على غير الله سبحانه وتعالى، نزهوا قلوبكم من الخوف من غير الله عز وجل، نزهوا قلوبكم من الرجاء لغيره سبحانه وتعالى، فإن كثيراً من الناس اليوم قد بات تعلقه بغير الله أكبر، واعتماده على غيره أكثر في صور عملية كثيرة.

وإضافة إلى ذلك: فإن شين الرياء والتصنع قد طم وعم في مجتمعات المسلمين، حتى قل المصلحون وندر وجودهم، بل من أخلص لله عز وجل عد في الناس غريباً شاذاً، بل ربما عده بعضهم ساذجاً لا يعرف كيف يغتنم الفرص، ولا كيف يعيش الحياة كما يقولون.

ولذلك أيضاً: هناك صور أخرى قد شاعت في بعض مجتمعاتنا مما يتناقض مع كمال الإيمان وصفاء التوحيد، أعني بهذا القول: ظاهرة الاعتماد والتعلق الكبير بالجن والسحر والشعوذة والكهانة، وقد شاعت بين الناس في صور كثيرة، وظهرت بينهم وكأنه ما قد وقع فيهم قول الله سبحانه وتعالى بأنهم زادوهم رهقاً، فاستسلموا لهم، وخافوا منهم، والتجئوا إليهم، وسرى بين الناس هذا الداء سرياناً كبيراً، فنحن نرى له صوراً عديدة في واقعنا، فإذا حقد أحد على أحد التمس له من يسحره، أو من يسلط عليه بعض الجان، أو من يقرأ له كفاً، أو من يكتب له حرزاً أو غير ذلك، وتعلقت القلوب بذلك تعلقاً غير مشروع يجرح في أصل إيمانهم، وفي كمال توحيدهم.

وغير ذلك كثير من صور عدم صفاء المعتقد وكمال التوحيد، ومن ذلك: الرضا بالمنكرات إذا كان رضاً قلبياً، والرضا بحكم غير حكم الله عز وجل إذا كان رضاً كاملاً باطنياً؛ فإن ذلك إشراك بالله عز وجل في أعظم حقوق الألوهية، وهو حق الحكم والحاكمية لله عز وجل، وكذلك في إقرار الحق، وإبطال الباطل، ومعرفة الحرام من الحلال، وإن ذلك من أعظم صور الكفر كما ورد في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه لما أخبره المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عبادة اليهود والنصارى للأحبار والرهبان، قال: (إنهم يا رسول الله لم يعبدوهم.

قال عليه الصلاة والسلام: أوليس قد أحلوا لهم الحرام، وحرموا لهم الحلال فأطاعوهم؟ قال: بلى.

قال: فتلك عبادتهم).

فهذا جانب لابد من تطهير القلوب منه، وتنقيتها من أدناسه؛ لأنه أخطر أنواع الإشراك، وأشدها فتكاً، وأكثرها ضرراً في حياة المرء المسلم؛ لأنها ترتكز وتتصل بأعظم أساس، وهو أساس الإيمان والتوحيد بالله عز وجل.

وهذا باب يطول الحديث فيه جداً.