وفي الحجاب أيضاً تحرير للمرأة من فقدان شخصيتها النسائية: وهذا أمر في غاية الأهمية؛ فإن المرأة طبعت في أصل فطرتها على الحياء، وعلى الرقة، وعلى الحنان، فإذا جاء هذا التبرج، وتركت الحجاب، وتركت البعد عن مجتمعات الرجال انهار سد الحياء، وإذا نزع الحياء فلا تأمل من وراء ذلك إلا كل شر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال فيما صح عنه:(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، فإذا نزع الحياء من المرأة صارت أكثر فحشاً من الرجل.
والحياء والدلال في المرأة سبب فطري من أسباب الانجذاب بين الرجل والمرأة، وعمران الكون والحياة بتكوين الأسرة، فالمرأة عندما تختلط ينزع منها الحياء، وتنزع منها الرقة، والحنان، والهدوء، وطبيعة المرأة التي هي نوع من أنواع السكن، ونوع من أنواع التكامل مع قوة الرجل وصلابته، فحينئذٍ يحصل ما يحصل في تلك المجتمعات من وجود الشذوذ بين الرجال والرجال، والنساء والنساء، نسأل الله عز وجل السلامة! ونجد أيضاً أن هناك النظرة التي لا ينظر فيها إلى المرأة من جهة عقلها ولا فكرها ولا شخصيتها، وإنما ينظر فيها إلى مفاتنها وإلى ما تبرزه في تبرجها، فنحن نرى أن الوظائف إذا شغرت عند أولئك القوم ليس بالضرورة أن تكون المؤهلة هي الأولى في ذلك، بل كثيراً ما ينظر إلى شكلها وإلى هيئتها وإلى لونها، وإلى تجاوبها في المقابلة أو استعدادها لأن تكون مرنة في العمل مع رؤسائها، ونحو ذلك؛ هذا جانب.
وهناك جانب آخر: فإننا نرى مجلات النساء ومجلات المرأة ماذا تبرز لنا؟ هل تبرز لنا المرأة المخترعة؟! وهل تبرز لنا المرأة المفكرة؟! إنها تبرز لنا أكثر ما تبرز الصور الفاتنة على الأغلفة، وتبرز لنا مساحات واسعة من صفحات موضات الأزياء، وصفحات أوسع من صفحات أدوات التجميل، فجعلوا شخصية المرأة منحصرة في هذا الجانب الذي لا يشرف المرأة أن تكون اهتماماتها وأن يكون تفكيرها في هذا الجانب.
فمن هنا يحررها الحجاب من أن تكون النظرة إليها، والنظرة منها لهذا الجانب وحده، وهو جانب الجمال والفتنة وما يتعلق به؛ لأن الإسلام نظر إلى المرأة نظرة شخصية متكاملة لها عقلها وفكرها ورأيها وقدرتها على التربية، وحسن سياستها لأسرتها، وحسن رعايتها لزوجها، فليست المرأة هي هذه المفاتن وهذه الإغراءات فقط، وهؤلاء هم الذين يتهمون بهذا، ولا يتهم به الإسلام الذي يدعون أنه عندما يمنع المرأة من التبرج أو يلزمها الحجاب أنه لا ينظر إليها إلا أنها عورة، وأنه لا ينظر إليها إلا من النظرة الجنسية، بل أولئك هم الذين يستحقون هذا الوصف، وهذا دليل القول عليهم من واقع مجتمعاتهم، ومن واقع ما يدعون إليه نساء المسلمين، ومن واقع ما وقعت فيه مجتمعات المسلمين عندما دخلت إلى هذه الميادين.