عندما جعل عمر المساواة والحرية والعدالة والشورى مبدأً عاماً في كل جانب من جوانب حياة الأمة تهيأت الأسباب الحقيقية لكل ما يأتي بعد ذلك، فكانت هناك أبواب عظيمة جعلها عمر -بإذن من الله عز وجل وتوفيقه- باباً من أبواب الخير والرخاء والقوة المادية للأمة الإسلامية، ومن أعظم هذه الأبواب: باب الجهاد والفتوحات الإسلامية، لم تكن الأمة في عهد عمر راكنة إلى الأرض، راضية بالدون، مخلدة إلى متاع الحياة الدنيا، ولم تكن ممن يصدق عليها قول الله عز وجل:{مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}[التوبة:٣٨]، لم يثقلهم شيء، فانطلقوا في فجاج الأرض، انطلق صحب محمد صلى الله عليه وسلم يقودهم عمر، ويوجههم ويفرقهم ويوزعهم على شتى البقاع والأمصار، فإذا بعهد عمر عهد الفتوحات العظيمة.
ففي العام الرابع عشر فتحت بعلبك وحمص، وفي العام الخامس عشر فتحت المدائن، وكانت في هذه السنة وبعدها اليرموك والقادسية وفتوح الشام وفتوح العراق، وفي العام السادس عشر فتحت حلب وأنطاكية، وفي السابع العاشر كانت معركة جلولاء وفتحها، وكان فيها من الفيء ثمانية عشر ألف ألف في هذه الوقعة وحدها، وفي السابع عشر فتحت الأهواز، وفي الثامن عشر فتحت حران والموصل وتستر ونصيبين، وفي التاسع عشر فتحت تكريت وقيسارية، وفي التاسع عشر والعام العشرين أيضاً: فتح عمرو بن العاص أرض مصر، وفي العام التاسع عشر فتحت الجزيرة وإرمينيا، ومن بعدها في عام اثنين وعشرين فتحت أذربيجان وجرجان، وهذه بلاد نسمع عنها اليوم قد عفا عليها الزمن بعد أن ذهبت من بلاد الإسلام منذ أن فتحها عمر رضي الله عنه.
وقد كان فتح جرجان ونهاوند على يد المغيرة رضي الله عنه، والدينور وهمدان على يد حذيفة رضي الله عنه، ومن بعد ذلك أتم عمرو بن العاص فتح طرابلس في الغرب، ففتحت البلاد، وتوسعت الأراضي، وزاد الخير، وعم النوال بلاد الإسلام والمسلمين بفضل الله عز وجل ثم بإقامة شريعة الجهاد التي لم تكن إرهاباً ولا قتلاً ولا سفكاً للدماء، بل كثير من هذه البلاد قد فتح صلحاً، وأقر أهل البلاد المسلمين على دخولها، وعلى حكمهم وعلى حفظهم وعلى أداء جزيتهم للمسلمين.
وكذلك كان أعظم هذه الفتوح، وهو فتح بيت المقدس، الذي مضى إليه عمر رضي الله عنه بنفسه، ويأتي لنا حديث عنه بإذن الله عز وجل.