[خطورة الموقف والقدوم على الله]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:٥٠]، نريد أن يكون هذا الشعار ظاهراً في حياتنا، في هذه الأيام وفي غيرها، اكتبوا هذه الآية، اجعلوها نصب أعينكم، احفظوها في قلوبكم، رددوها بألسنتكم، فإني موقن أننا لو فعلنا ذلك لاستشعرنا في كل مرة خطراً يحدق بنا، وفراراً يعجلنا، وفيئاً إلى رحمة ورضوان ينتظرنا بين يدي الله سبحانه وتعالى.
فررت إليك يا ربي وبي شوق إلى توبه إلى أمر عظيم قد يزيل الهم والكربه يفيء الناس تواقين إلى أيامه الرحبه عندما نتأمل نجد أننا بحاجة دائماً وأبداً إلى أن نستشعر هذه الصورة، صورة للخطر القريب الداهم الذي ليس هناك وقت لانتظاره وتأجيله؛ لأنه يجعلنا نتصور ما يكون يوم القيامة مما أخبرنا الله به: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧] تلك هي الحقيقة نقرؤها، نؤمن بها، لكنها لا تخلص بقوة لتهز نفوسنا، ولتسكن قلوبنا، ولتؤثر في حياتنا كما ينبغي أن تؤثر: مثل وقوفك يوم الحشر عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا النار تزفر من غيظ ومن حنق على العصاة وتلقى الرب غضباناً اقرأ كتابك يا عبدي على مهلٍ انظر إليه ترى هل كان ما كانا ونحن نعلم ما جاء في كتاب الله عز وجل عندما يقول الكافرون: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف:٤٩] الصحف منتظرة، والأيام المقبلة يمكن أن تعمرها بحسنات مضاعفة، يمكن أن تعمرها بدعوات مكفرة لما مضى، يمكن أن تعمرها بإدراك ليلة القدر فتمحو عنك ما سلف من الوزر، ويعظم لك الله عز وجل الأجر، ويكون من الخير ما لا تقدر قدره، ولا يمكن أن تحيط بوصفه؛ لأنه خير من الله عز وجل الذي لا تنفد خزائنه سبحانه وتعالى.
ليس هناك مزيد من القول، بقيت أيام قلائل ليس هناك غيرها في رمضان، ستنتهي وينتهي الشهر، وينتهي معه كل ما خصه الله عز وجل به من الفضائل والخصائص والأجور، فمن فاته فإنه محروم، وإنه قد خرج من موسم الخير صفر اليدين، كيف يكون حال التاجر إذا جاء الموسم وهو لم يخرج بربح قليل ولا كثير، بل خرج بخسارة عظيمة، وأوزار كبيرة؟! شقي ذلك شقاء ما بعده شقاء، وحرم حرماناً ليس مثله حرمان، وسعد بالخير من أقبل على الطاعات، ومن فرغ لها الأوقات، ومن شغل بها القلب، ومن علق بها النفس، ومن استنفذ فيها الجهد، فإن هذه هي الأيام المباركة، هي الليالي الفاضلة، هي الرمق الأخير من هذا الشهر العظيم، ومن هذا الفيض من الخير العميم، الذي ساقه الله عز وجل لنا، فهل نكون من العقلاء الذين يدركون مصالحهم، ويعرفون الخير الذي ينتظرهم، أم نكون من الغافلين الكسالى المتراخين الذين ما زالت عقولهم وقلوبهم في أودية شتى، ورءوسهم تخفق نعاساً، أم نكون من الحمقى الذين يعرضون وقت الإقبال، ويتركون الخير وهو مبسوط مبذول، وذلك والعياذ بالله من أشقى الشقاء الذي من وقع فيه فقد حرم خيراً كثيراً؟ أسأل الله جل وعلا أن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يحسن لنا ختام شهرنا، وأن يوفقنا فيما بقي منه لبذل كل جهد في طاعته ومرضاته، أن يشغل فيه أوقاتنا بالطاعات والدعوات والتلاوات والصلوات، وأن يعلق قلوبنا بطاعته ومرضاته، وأن يعلق نفوسنا برضوانه ورحمته، وألا يشغلنا عن طاعته بشاغل، وألا يصرفنا عنها بصارف، وأن يجعل هذا الشهر الكريم تكفيراً لذنوبنا، وعتقاً لرقابنا من النار، وأن يجعله بإذنه سبحانه وتعالى عوناً لنا على طاعته فيما بقي من أيام دهرنا وعمرنا، وأن يبدلنا من بعد إعراضنا إقبالاً، ومن بعد غفلتنا ذكراً، ومن بعد تقصيرنا تشميراً.
نسألك اللهم أن تقبل بقلوبنا عليك، وأن تعلق نفوسنا بحبك وطاعتك ومرضاتك يا رب العالمين.
اللهم اجعل عبادتك أحب إلى نفوسنا من الماء على الظمأ، اللهم اجعل قلوبنا تحب الطاعات، وتلتذ بها، وتجد حلاوتها، وتستحضر عظمة الرب فيها، وتمتلئ بالخشوع في أدائها برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، والشوق إلى لقائك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، اللهم وفقنا للطاعات، واصرف عنا الشرور والسيئات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آت، برحمتك يا رب الأرض والسماوات.
اللهم اهدنا واهد بنا، نسألك اللهم التقى والهدى، والعفاف والغنى، وأن تجعلنا هداة مهديين، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم املأ أوقاتنا بالطاعات، ولا تشغلنا اللهم بالغفلات ولا بالمعاصي والسيئات، اللهم إنا نسألك لأمتنا وحدة من بعد فرقة، وعزة من بعد ذلة، وقوة من بعد ضعف يا أرحم الراحمين.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمعهم على الحق والهدى والتقى يا رب العالمين! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء، مكن اللهم في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا اللهم فيما يرضيك آمالنا، اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك، واجعلنا اللهم ممن وفقته لقيام ليلة القدر وصيام يومها.
اللهم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين؛ منّ علينا بعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا من النار يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وآمن روعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، اللهم اجعل ما بقي من هذا الشهر تفريجاً للكربات، وتنفيساً للهموم والغموم، ومحواً للسيئات يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون!