[حكم تأليف الروايات والقصص وتمثيلها]
السؤال
ما حكم تأليف الروايات والقصص، ربما أيضاً جاء هنا سؤال بما يتعلق بتمثيل هذه الروايات خاصة فيما يقع في بعض الأنشطة الصيفية؟
الجواب
وقفة مناسبة هنا حول هذا الموضوع، بعض أهل العلم ذكر الإباحة، وبعضهم ذكر المنع، وفي هذا بعض التفصيل.
أقول بإيجاز: الذين ذكروا الإباحة استدلوا بعمومات أدلة كثيرة، منها قاعدة أن الأصل في الأشياء البراءة من الحرمة حتى يثبت التحريم بدليل مخصوص، ومنها عمومات أدلة ليست أدلة في نفس القضية، مثلما استدلوا ببعض ما جاء في القرآن من قصة إبراهيم الخليل عليه السلام لما كسر الأصنام وقال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء:٦٣] وقال: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:٨٨ - ٨٩] أي: أنه ماشاهم وأظهر لهم شيئاً غير الذي هو على الواقع والحقيقة.
وذكروا أيضاً من عمومات الأدلة: قصة يوسف عليه السلام {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [يوسف:٥٨] ثم جاراهم على أنه لا يعرفهم ووقع ما وقع من قصته مع أخيه، ثم أيضاً بعض الأحاديث، مثل حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه لما توضأ وضوءه للصلاة وقال: (إنما أردت أن أعلمكم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم) أي: أنه مثل لهم وضوء النبي عليه الصلاة والسلام، وأقوى وأظهر منه حديث مالك بن الحويرث، قال: (إني لأصلي الصلاة ولا أريدها، إنما أريد أن أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم).
وقد استشكل هذا وذكر ابن حجر تعليقاً عليه، وكان من ضمن قوله أنه قال: في هذا الحديث أن التعليم بالفعل أوضح من التعليم بالقول، وقال: إنه لا يقصد فيه أنه لم يرد العبادة أصلاً، وإنما أنه ليس هناك سبب باعث، يعني: أنه لم تكن هناك فريضة ولم تكن سنة وإنما كان الباعث هو باعث التعليم، هذه عمومات أدلة.
في الجانب الآخر: هناك من منع لعمومات لا تنطبق بالضرورة على هذا، من ذلك حرمة الكذب.
الثاني: الخوف والبراءة من التشبه بالكفار.
الثالث: ما قد يقع من المحظورات.
ولكن في الجملة هناك فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين ذكر أنه ليس فيه كذباً، إذ الكذب هو أن يكون السامع مصدقاً لك بهذا الأمر وهو غير صحيح، لكن إن كان يعرف أنه غير صحيح فلم يعد في ذلك كذب، بمعنى: هذا الذي يقول إنه زيد، وذاك الذي يقول إنه عبيد، يعرف الناس أنه ليس زيداً ولا عبيداً، وأن ليس هذا أباً لهذا ولا هذا ابناً لذاك، فما دام أن العلم حاصل بأن هذا هو تصوير وتمثيل فلم يقع الكذب.
ويقول الشيخ ابن جبرين: التمثيليات إذا كانت هادفة ومفيدة فهي أكثر فائدة من الكلمات التي تلقى على الحاضرين، وتأثيرها أكثر من تأثير الكلمات؛ وذلك لأنهم يشاهدونها بالنظر ثم يطبقونها ويحرصون عليها، ويتذكرونها تذكراً زائداً، فالحاضرون يعلمون أنها ليست حقيقة إنما هي تمثيل، فلا ينطبق عليهم حديث: (ويل للذي يحدث ويكذب ليضحك القوم، ثم ويل له ثم ويل له) فهؤلاء ما كذبوا، وإن كانوا كاذبين فالحاضرون يعلمون أن هذا ليس هو فلان، لأجل ما فيها من التأثير والأهداف الطيبة، أنا أقول: لا بأس بها -يعني الشيخ يقول-، وقد كان مشايخنا يحضرونها في الأندية وفي قاعات المحاضرات في كلية الشريعة والمعاهد العلمية، فهذه إن شاء الله نافعة ومؤثرة، حتى وإن تسمى باسم شيخ الإسلام أو باسم أبي جهل؛ لأن الحاضرين يعلمون أن هذا تنزيل لقصة واقعة حتى ينتبهوا لها أكثر مما لو خطب الخطيب.
فمقال حصل لـ شيخ الإسلام كذا وكذا، يقول: فقد لا ينتبهون لما قال ولا يتمثلونه كما يتمثلونه إذا صور أمامهم.
ثم سئل عن الضوابط فقال: إذا كان الحاضرون يعلمون أنها ليس فيها شيءٍ من الإيهام، أو كذلك إذا كان فيها استهانة بشخصيات محترمة وتمثيل بأشياء غير واقعية فهو محظور، بمعنى: إن كان فيها تنقص لصاحب فضل كأن يمثل عالماً لكن يحتقره، أو يمثل صورة العالم الإسلامي أو الفقيه في صورة محتقرة أو نحو ذلك مما هو مقصود، كما يقع في التمثيليات الفاسدة والإعلام الذي يمارس من خلاله تشويه صورة الدين، فهذا من أحد المحاذير.
وسئل الشيخ لو مثل أحدهم ابن حنبل والآخر مثل ابن أبي دؤاد وما وقع من الفتنة؟ قال: لا بأس وأرى أنه مفيد، فقيل له: ولكنه تمثيل دور مبتدع، قال: نعم لا بأس به؛ لأن تأثيرها أكثر من تأثير الكلمات، وفيها مصلحة، والحكم يدور مع المصلحة، وقيل له: فيه تقليد للكفار كعيد الشعانين وكذا ونحو ذلك، فقال ليس كذلك، بل ورد ما يدل على أنه ليس المقصود بها هذه المتابعة، وليس كل ما يفعله الكفار نحن ممنوعون منه، إذا لم يكن التمثيل مشابهة للكفار يقول: ليس التمثيل من خصائصهم حتى تكون المشابهة مطابقة، وهذا ليس من خصائصهم فما يضر المسلمين.
وأيضاً في فتوى للشيخ عبد الله بن حميد رحمة الله عليه سئل عن حديث: (لا تمارضوا فتمرضوا) قال: هذا الحديث ليس صحيحاً، ثم قال: إن كان هذا التمارض احتاج إليه من باب التأويل المباح فلا حرج في ذلك؛ لأنه يقصد بذلك غرضاً صحيحاً، وليس في هذا العمل ما يتنافى مع الشرع، فأرجو أن لا حرج في ذلك.
وذكر بعضهم هنا ضوابط: الأول: ألا يكون كما أشرنا فيها محرم، وتدعو إلى محرم أو إلى شيء من الفساد، فهذا لا شك أنه ممنوع.
الثاني: ألا يكون فيها تمثيل للنبي عليه الصلاة والسلام أو الصحابة؛ لأن هذا قد أفتى العلماء بحرمته.
الثالث: ألا يكون فيه إيهام للناس.