للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصورة الثالثة: التربية الغليظة عند تقويم الأبناء وتوجيههم]

هذه صورة أخرى وهي: التربية العسكرية الغليظة الخشنة، لا يعرف أولئك الآباء أو تلك الأمهات إلا أساليب القهر والعنف والمنع والمصادرة، لا يظهرون من قلوبهم رحمة، ولا يبدون في أسلوبهم حكمة، فحينئذ يمكن أن نرى من الأبناء صوراً من صور الانحراف كالكذب والمخادعة والحيل والألاعيب، وربما نجد كذلك صوراً عظيمة أفظع من هذه وذلك عندما ينحرف الآباء والأمهات ويستقيم الأبناء بفضل من الله، فإذا بالأب يزجر ابنه عن الذهاب إلى المسجد، ويحذره ويتوعده إن التحق بحلق القرآن، وقد يضربه ويحاسبه أشد الحساب إذا انتقى الأخيار من الأصحاب، فأي شيء ينتج عن ذلك؟! إنها ردود الأفعال في غالب الأحوال، وإليكم قول مرب عظيم ورجل من رجالات التاريخ في العلوم الاجتماعية والإنسانية، إنه الإمام ابن خلدون في كلمات وجيزة يقول: من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين والخدم، غلب عليه القهر، وضاقت نفسه وذهب بنشاطها، وحملها على الكذب والخبث؛ خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليها، وعلم المكر والخديعة لذلك.

وبعض صور ما يطلق عليه اليوم بتجاوزات كثيرة وتفريطات عديدة تطرفاً أو غلواً، ربما كان منشؤه استقامة الأبناء واعوجاج الآباء، فرأوا من آبائهم ما ظنوا أنه مخالفة صريحة لكتاب الله وسنة رسول الله، وما يكون في هذه الأسرة قد يكون هو النموذج الموسع في المجتمع، فعندما نعنفهم، وعندما نحاربهم، وعندما نوبخهم، وعندما يكون مسلك الخير معيباً، وعندما يكون نهج الصلاح خطيراً، فأي شيء نرجو من بعد ذلك؟! التربية ينبغي أن يكون أساسها الرحمة، وأساسها التوجيه الحسن القيم، كما قال الحكيم الذي هو مضرب مثل في سياسة الأمم والشعوب فضلاً عن سياسة الأبناء والصغار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يصف الأبناء فيقول: هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، فإنهم يمنحونك ودهم، ويحبونك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقيلاً فيملوا حياتك، ويتمنوا مماتك.

وليس كلامه على إطلاقه، لكنه كان في معرض الرد على من كان لا يعرف رحمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل القاسي الشديد الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل ذلك الطفل الصغير ويقبله في رحمة غامرة، والأعرابي الغليظ ينظر متعجباً فقال: (أتقبلون أبناءكم؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها رحمة، فقال الرجل: إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت منهم واحداً قط- وربما نجد بعض الآباء وهم يفتخرون بذلك، ويرونه من أسباب قوتهم وهيبتهم- فقال عليه الصلاة والسلام: من لا يرحم لا يرحم) وفي حديث هذا الرجل أيضاً قال عليه الصلاة والسلام: (أو أملك إن نزع الله الرحمة من قلبك).

نسأل الله عز وجل أن يصلح أزواجنا وذرياتنا، وأن يجعلنا ممن يقومون ويعلمون ويؤدبون أبناءهم على منهج كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى.

اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد.

اللهم إنا نسألك أن ترفع كلمة الحق والدين، وأن تنكس رايات الكفرة والملحدين.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في أرض فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمبعدين والمشردين والمعذبين، والجرحى والمرضى والمسجونين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم عجل فرجهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام خصوصاً على أجلهم قدراً وأرفعهم ذكراً، ذوي المقام العلي والقدر الجلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].