للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الثبات أمام الفتن والشهوات]

نحن اليوم في زمن الشبهات وفي عصر الشهوات وفي أوان المغريات وفي حين الملهيات التي تكاد تطعن القلوب فتدميها، وتمرض النفوس فلا تحييها، إن المرء اليوم يدرك أننا في عصر محنة تحتاج إلى زاد الإيمان، وفي عصر فتنة تحتاج إلى ثبات ورسوخ اليقين والإيمان، وفي عصر أصبح القابض فيه على دينه كالقابض على جمر، يرى في كل يوم من المحرمات، ويسمع في كل آنٍ من المحرمات ما لا يكاد يسلم معه أحد، إنها صور نحتاج فيها إلى تجديد إيماننا، وذكرى أحسب أننا نحتاج إلى وصل الحديث فيها مرة بعد مرة، وإلى تكرار الموعظة حولها كرة بعد كرة، فإن تجديد الإيمان في زمن الفتنة يحتاج أن يكون دأباً دائماً وهماً شاغلاً وعملاً متصلاً وتذكيراً غير منقطع بحال من الأحوال، إنها فتنة الأغراء بالمحرمات والمغريات والملذات: أجساد عارية، وكلمات ماجنة، ومشاهد فاتنة، ومواقف ساخنة، وشاشات داعرة، وإذاعات ساقطة، وروايات هابطة، وأسواق متبرجة، وجامعات مختلطة، وشهوات مستعرة، ونتيجتها: عيون معلقة بالمحرمات، وآذان مصغية إلى الباطل والغي من الكلمات، وقلوب مفتونة معلقة بتلك الملذات والمغريات، ونفوس قطعت وانقطعت عن التعلق بالمهمات، ألا يدعونا ذلك إلى أن نتذكر صور الإيمان أمام الإغراء؟ ألا يدعونا ذلك أن نستحضر السيرة العطرة لنبي الله يوسف عليه السلام الذي حكى الله عز وجل قصته في قوله: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣] ثم ماذا؟ {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:٣٣]، ويوم اجتمعت الصفوة من نساء النخبة في مجلس واحد وأتمرن على حسن يوسف بالإغواء والإغراء، أليس ذلك هو زاد الإيمان العاصم من ذلك؟ أليس يُفضل السجن وحبسه ووحشته على لذة محرمة ومشاهد فاتنة ومناظر مغرية؟ ألا نذكر الحديث العظيم لرسول الهدى الكريم صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله حيث ذكر منهم: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)؟ فخوف الله أحرق مواضع الشهوات، وجعل صورة أخرى للمحبوبات والملذات.

قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: قال النووي في شرح الحديث -أي: لماذا خصت ذات المنصب والجمال؟ -: لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها، وكان الصبر عنها بخوف الله تعالى وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال من أكمل المراتب وأعظم الطاعات، فكيف ننظر إلى هذا؟ واليوم ربما تصرع الفئام من أهل الإيمان حسناء بكلمة غنج ودلال، أو بأغنية فساد وانحلال، أو برقصة عهر وابتذال، أوليس ذلك هو واقع الحال؟ فأين نحن من علم وعمل الإيمان؟