[أسباب الحماسة التي تخرج عن الإطار الصحيح]
ما أسباب تلك الحماسة التي قد تندفع وتخرج عن الإطار؟ أسبابها: السبب الأول: الدافع النفسي؛ إذ في النفوس حمية لقطف الثمرة وتحقيق الفكرة، فإذا اقتنعت بفكرة فإنني أحب أن تتحقق الفكرة قبل أي وقت آخر، وهذا طبع بشري.
السبب الثاني: الحرارة الإيمانية، فالإيمان هو الذي يذكي حماسة القلب والنفس، ويريد لها أن تندفع، ولكن إذا تمعن فليعلم وليتذكر قول الله عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:٦٠]، فليس المسلم بالذي يستجيب للعاطفة دون هذا الضبط.
السبب الثالث: واقع أعداء الدعوة الذين يحكمون قبضتهم على كثير من مقدرات المسلمين، وليس في بلاد الكفر فحسب، بل وفي بلاد الإسلام والمسلمين، فأنت ترى القبضة محكمة في إطار الحكم والسياسة، وفي إطار التربية والتعليم، وفي إطار الدعاية والإعلام، فقلَّ أن تجد في كثير من بلاد الإسلام نصرة للدين والدعوة، بل على العكس تجد في كثير من ممارساتها حرباً على الدين والدعوة، وهذا يستفز المشاعر أيما استفزاز؛ إذ كيف نكون في بلد إسلامي وإذا بصحف في تلك البلاد، أو مشاهد في إعلامها تعلن الكفر الصريح دون أن يسمح لمعترض أن يعترض أو لمنكر أن ينكر؟! إن ذلك قد يكون أحياناً أكبر مما تحتمله بعض النفوس التي لم تروض ولم تربَ التربية الكافية.
السبب الرابع: الجهل بأساليب الكيد التي يخطط لها الأعداء ويمارسونها؛ فإن لهم أساليب ملتوية وخبيثة يريدون من خلالها أن يوقعوا الدعاة والشباب منهم على وجه الخصوص فيما لا تحمد عقباه.
السبب الخامس: كثرة المنكرات التي تواجه الشباب في كثير من الوقائع العملية سماعاً ونظراً وقراءةً وفي كل الصور.
السبب السادس: ضعف النفوس عن طول الطريق؛ فإن الطاقات تختلف، فلو تصورت أن الدعوة عبارة عن حمل ثقيل فهناك أصحاب أجسام قوية وعضلات فتية يمكن للواحد منهم أن يحمل ويسير ما شاء الله له أن يسير ولا يتعب، ومنهم من يمشي بعض خطوات أو قليلاً من الطريق ثم يقول: لابد أن أتخفف، وأن أنطلق لأبلغ المراد من غير هذا الطريق.
السبب السابع: عدم وجود القدر الكافي من التخطيط الدعوي الذي يستوعب طاقات الشباب، فلا يئد حماسهم، ولا يجعلهم يبردون ويسكنون وتموت نفوسهم وهممهم، كما أنه يجعلهم ينفقون هذه الطاقة في ميادين عملية تحقق إيجابيات للدعوة ولهذا الدين، ويدركون من خلالها أن جولتهم مع الباقين يمكن أن تكون طويلة المدى، وأن تحقق بعض النجاح في جانب ثم في آخر ثم في ثالث، وإذا بالجولة بعد ذلك تتكامل انتصاراتها، وتؤدي ثمرة من الثمار المرجوة.
السبب الثامن: عدم الخبرة الكافية والتجربة والنظر في التجارب الواقعية في الحياة الإسلامية، وهناك من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام دروس كثيرة كلها عبر، لكن في الواقع الدعوي المعاصر دروسٌ كثيرة لما جره الحماس غير المتزن بضابط الشرع ولا بنظر المصلحة على الدعوة والدعاة.
السبب التاسع: الغفلة عن سنن الله عز وجل في طبيعة التدرج وطبيعة الصراع بين الحق والباطل، وكما يقولون: قد ينتصر الباطل في جولة وجولة، ولكن الجولة الأخيرة ينبغي أن يكون يقيننا أنها للحق، وأن العاقبة للمتقين: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق فلابد أن ندرك أن الأمر في ختامه لهذا الدين، وأن النصر لأهله، والبشارات في ذلك معروفة مأثورة مذكورة؛ فينبغي ألا نخرج عن إطارها.
السبب العاشر: وهو الذي أختم به: عدم الفقه في الدين علماً بالشرع وتنزيلاً له على الواقع، فإن بعض الشباب يأخذ النص وينزله إنزالاً بعيداً عما فهمه أهل العلم، بل عما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم من العلماء الذين عرفوا أن للأحكام تغيراً بتغير الظروف والأحوال والأشخاص، وأن هناك مراتب للأحكام: فهناك واجبات، وهناك سنن ومندوبات، وهناك محرمات، ودونها مكروهات، فلا ينبغي التسوية هكذا بين الأمور على عجلة دون روية، وهذه أيضاً مشكلة من المشكلات.