الأمر الثاني: الأمانة العلمية، وهذا يقتضي منه أموراً كثيرة، وأذكر منها بعضاً: أولها: الإتقان في مجال التخصص وفي مادته العلمية، فإن هذا من أعظم الأمور المعينة على قيامه بمهمته، فلابد من أن يستفيد دائماً، وأن يراجع دائماً، وأن يبحث كثيراً، وأن يحاول دائماً أن يكون متمكناً تمكناً جيداً.
ومن الأمانة العلمية -أيضاً- ما أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة وأمام الملأ من المسلمين عندما جاءه السائل يسأله عن الساعة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(ما المسئول عنها بأعلم من السائل) ولا حرج إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم.
فهذا من الأمانة العلمية.
ومن ذلك أيضاًً -وهو مندرج في هذا الباب- أن يقبل من طلابه ومن زملائه ما قد يلفتون نظره إليه من خلل أو خطأ فيما قال أو فيما أشار إليه، وهذا أيضاً أمر مهم جداً.
ومن الأمانة العلمية مسئوليته عن علمه، فهو مسئول عن صيانته وحفظه، فهذا العلم الذي عنده ينبغي أن يصونه وأن يحفظه، فبعض المدرسين -وهذا يحصل كثيراً بسبب التكرار وبسبب الأمور والأوضاع الإدارية والفنية التي يمر بها المعلم- يتخرج من جامعته، فيبدأ في التدريس، وبدلاً من أن يستزيد من علمه إذا به يتآكل علمه؛ لأنه كان يدرس في الجامعة موضوعات كثيرة، وكتباً كبيرة، ومسائل دقيقة، فلما جاء إلى التدريس جاء إلى مستوىً معين من الطلاب ينبغي أن يعطيهم بقدر ما هو مقرر في المنهج، وبقدر عقولهم وأفهامهم، فنزل إلى مستواهم وبقي معهم، وضيَّع كل ما أخذه من العلم مما ليس في هذه المناهج، وانتهى أمره إلى أنه أصبح متخصصاً في هذه الكتب، بمعنى أنه -إذا صح التعبير مع الاعتذار للمعلمين- مثله مثل الطالب الذي يتمرس في المنهج، ولو أن طالباً درس المنهج ورسب وأعاد مرة ثانية أو درس دروساً خصوصية أو كذا لكان -كما يقولون- طالباً معيداً، أي: عنده خبرة يمكن أن يكون مدرساً مثل المدرس، ولا فرق بينه وبين المدرس الذي ذكرنا وصفه وكلامه؛ لأنه حصر نفسه في هذا الجانب، ولذلك ينبغي للمدرس أن لا يكون بهذا الأمر.