[من دروس الهجرة: التعاون والتكامل لا التناقض والتخاذل]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى من اقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن.
وأمور كثيرة هي التي نحتاج أن نتذكرها فيما بين عام وعام، ونتذكرها في كل وقت وآن، غير أن المناسبات أدعى للتذكير بهذه المهمات.
ووقفة سريعة أيضاً مع التعاون والتكامل لا التناقض والتخاذل: إن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نموذج متكامل لتوزيع الأدوار، وتقسيم المهمات والأعمال، كيف هيأ النبي لأصحابه أن يتقدموه ويسبقوه؟! كيف استبقى أبا بكر رضي الله عنه ليكون رفيقه وصاحبه في هجرته؟! كيف هيأ أبو بكر ناقته ودابته؟! ثم كيف كانت الأدوار: الشباب كان يمثلهم عبد الله بن أبي بكر، ودوره في الهجرة أنه كان مراسلاً وناقلاً للأخبار، ومؤمِّناً للرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر، والمرأة المسلمة أسماء كانت تأتي بالطعام والزاد، وذلك الذي كان راعياً يمر بالغنم ليعفي آثارها، وذلك الذي كان دليلاً يأخذ بالطريق، والنبي صلى الله عليه وسلم يختم الأمر، والصحابة هيئوه هناك، كل ذلك يدل عن أن لكل أحد دوراً، وعلى كل أحد مهمة، لا تقل: لن يصلح ذلك إلا أن يفعله هؤلاء أو هؤلاء، وماذا تفعل أنت؟! لو أن كل أحد فعل واجباً وأدى مهمة، وبادر إلى عظيمة من العظائم، أو مهمة من المهمات التي تنفع دينه وأمته؛ لرأينا حالاً غير هذا الحال.
ما بال الناس اليوم وكل ينظر إلى الآخر، وكل يجيد إلقاء التبعة والقصور على غيره فيقول: هؤلاء مفرطون، وهؤلاء عصاة مقصرون، وهؤلاء ضالون ومفسدون، وهكذا، ماذا قلنا عن أنفسنا! أين نحن من واجبنا؟! أين نحن مما افترضه الله سبحانه وتعالى علينا؟! ولذلك لابد من العمل، وأن يكون هذا العمل متكاملاً، واليوم أمة الإسلام أقوى ما تكون إذا أخذت بهذا المبدأ، وهي بغيره أضعف: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا كم هي بحاجة اليوم أن تستخدم ما منحها الله عز وجل إياه من ثروة في مكان وقدرة بشرية في آخر، وتقدم علمي في بلد آخر، ولو كان لهذه الأمة اجتماع على أسبابها الدينية والإيمانية، ومعها أسبابها وقوتها المادية والدنيوية، فلن يقف في وجهها أمم الأرض كلها، ولا أمة عظمى أو دولة عظمى كما يقال، فنحن أمة الإسلام، عندنا الثروة العظمى والقوة العظمى بالإيمان والإسلام والمبادئ والشرائع والآداب والأخلاق، بالثروة والأعداد والقدرات والطاقات، لو أنها اجتمعت وتكاملت وكان بينها تناسق وتنوع لانتصرت.
يؤسفنا أن نقول: إن أمماً لا تجمعها عقيدة واحدة ولا لغة واحدة، كالدول الأوروبية يتسع اتحادها لتشمل خمسة وعشرين بلداً، كل منها أو كثير منها له لغة وله ديانة وله نظم سابقة كثيرة، لكنها تجتمع وتأتلف لأنها ترى أن مصدر قوتها في مثل هذا التعاون والتآلف والتكاتف، فيأخذون حينئذ ثقلاً.
ونحن أمة الإسلام أمة يتجاوز تعداد أبنائها ألفاً ونصفاً من المليار، وتتوزع في كل أقطار الأرض شرقاً وغرباً، وتملك ثروات الدنيا في معظمها، ثم بعد ذلك إذا هي شذر مذر! نقول هذا على مستوى الأمة، ولكني أذكر أن كل حديث عن الأمة هو حديث عني وعنك، فأين تكاملك وتعاونك مع أخيك؟! مع الذين يمكن أن تؤثر أنت وهم بإقامة عمل خير أو إقامة مشروع نافع، أين نحن؟! كل يغني وحده، كل يعمل وحده، بل كثيراً ما تتناقض أعمالنا، وبعضنا قد ترك العمل وبقي في دائرة طعامه وشرابه وزوجته وأبنائه، ويأتيك بنصوص يستشهد بها في غير موضعها: (عليك بخاصة نفسك)، (اعتزل الفرق كلها)، هذه نصوص إذا عظمت الفتن وكان قرب القيامة، ثم لا يستدل بها على أن تترك العمل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه: (إذا قامت القيامة، وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) أي: نبتة النخلة الصغيرة.
وأخيراً: لابد من اليقين أن الهداية والولاية هي التي نحظى بها إن نحن قمنا بذلك، كما يسر الله لرسوله في الهجرة أخذ الأسباب، لكن حماية الله وولايته له هي التي سيرته وهيأت له الأسباب، وكلما خرم شيء مما أعده كانت رعاية الله وحمايته، فأمته إذا كانت لا تسير على منهج الله لا تنال هدايته وحمايته وولايته، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:٣٨]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، وإلا يكن ذلك كذلك؛ لا تكن هداية وولاية، بل يكون تسلط وغواية وضلالة، كما تسلطت الأمم علينا، وكما ضلت مسيرتنا: فمرة ننتمي لتجمع هناك، ومرة ننظم لتكتل هناك، ومرة نسير وراء الشرق، ومرة وراء الغرب، لأننا لم نحظ بهذه الهداية والرعاية والحماية الإلهية، لأننا ابتعدنا عن دين الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم تول أمرنا وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهديين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً رخاءًً وسائر بلاد المسلمين، واصرف اللهم عنا الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس راية الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بكل خير فوفقه لكل خير، ومن أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه واجعل تدبيره تدميراً عليه.
اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك، زلزل الأرض تحت أقدامهم واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، واجعل بأسهم بينهم وخذهم أخذ عزيز مقتدر يارب العالمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم اكفناهم بما شئت يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار.
اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين في كل مكان يارب العالمين، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وعجل فرجهم وقرب نصرهم، وادحر عدوهم وزد إيمانهم وعظم يقينهم، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم ثبت أقدامهم، وأفرغ على قلوبهم الصبر واليقين، وثبتهم في مواجهة المعتدين، ومن عليهم بحولك ونصرك وعزك وتأييدك يارب العالمين.
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، خصوصاً منهم ذوي القدر العلي والمقام الجلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].