مرحباً بشهر رمضان صارفاً عن الشهوات، وسائقاً إلى الطاعات، وتلك فرصة عظيمة أيضاً، فإن الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم تضيق مجاريه بهذا الصوم، ولقد أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، كما جاء عند الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شباب لا نقدر على شيء -أي: لا نملك ما نستطيع به أن نتزوج- فقال: يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).
إن الصوم علاج للشهوات المستعرة، وللنزوات الآثمة، إنه يقمع تلك الشهوات ويعالجها بعلاج مزدوج نافع، فإنه أولاً بهذا الصوم وترك الطعام والشراب يضعف انبعاث النفس إلى شهواتها، وميلها إلى رغباتها، ومن جهة أخرى فإن الطاعات ذكراً وتلاوة وإنفاقاً تفيض على القلب والنفس زكاة وطهارة تحول بينها وبين تلك المعاصي وحبها، وبين تلك الشهوات والشغف بها، وذلك أيضاً فضل عظيم، وموسم كريم ينبغي أن يُغتنم في ذلك، وأن يُحرص عليه، وألا يكون حالنا كحال كثير من المفرطين والمقصرين، فإنهم يعجزون عن الطاعات، ويتعلقون بالمعاصي والشهوات.
ولعلي وأنا أتحدث إليكم الآن يخطر لي خاطر في معركة كل عام يدخلها لا أقول: الآلاف بل مئات الآلاف والملايين من المسلمين ويهزمون فيها، بعضهم يهزم من اليوم الأول، وبعضهم قد يدوم إلى ثلث الشهر أو ثلثيه، ثم يصرع كثير منهم مع نهاية الشهر، والماثل منهم والأمثل من ينتصر في شهره ثم يهزم بعد ذلك، إنها معركة الدخان! فالذين يدخنون في كل شهر يعزمون أن يجعلوا من الصوم فرصة للتخلص من هذه الآفة المدمرة، ومع ذلك يعجب المرء عندما يترك بعض الناس السنة، فلا يفطر على تمرة، وإنما يفطر على سيجارة! كيف نفهم أن هذا الصائم عنده إرادة وصبر؟ وكيف ندرك أن شهواته تنقمع، وأن نزواته تُفطم؟ إننا لا نرى فيه إلا صورة من الضعف، كالمريض الهزيل تضربه ضربة فيسقط، ليس من قوة ضربتك، ولكن من ضعف بنيته، وكم هم الضعفاء المنهزمون المتخاذلون، الصرعى لشهواتهم، الأسرى لعاداتهم، الذين لا يستطيعون في هذا الشهر العظيم أن ينجحوا في مثل هذا الاختبار البسيط! فإنهم قطعاً سيكونون في غيره أكثر فشلاً، وأعظم إخفاقاً، وأكبر هزيمة، فمن يرضى لنفسه ذلك فهو وشأنه، والله عز وجل مطلع علينا، وعالم بما نحن عليه، فأي عزيمة كانت صادقة، وأي نية كانت خالصة، وأي عزيمة كانت ماضية، فإن وعد الله نافذ، قال عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:٦٩]، فمن فشل فليتهم نيته، وليعرف أنه يوجد بعض الخلل في قصده، وليدرك الخور الموجود في همته وعزيمته، وليعالج نفسه، فإن مرضه بذلك أعظم من مرض بدنه مهما كان شديداً أو قاسياً.