[صفة الأنساك الثلاثة للحج]
الصفة الموجزة للحج بالنسبة للمتمتع أنه يطوف ويسعى للعمرة، أن يطوف بالبيت سبعاً، وأن يجعل البيت عن يساره، يبدأ من الحجر الأسود وينتهي إليه، ثم يسعى بادئاً من الصفا وينتهي إلى المروة، من الصفا إلى المروة شوط، وليس كما يقع من بعض الناس أنهم يجعلون الذهاب والإياب شوطاً واحداً فيسعون أربعة عشر شوطاً، وهذا يقع من كثير من الناس، وعندما يفعلون ذلك يختلط عليهم العد، فربما يسعون عشرة أو ثلاثة عشر أو أربعة عشر إلى آخر ذلك، خاصة مع زحام الحج لا يستطيع أن يضبط الطائف العدد، ويقع لهم بذلك مشقة كبيرة، وللأسف أنه يقع في هذا عدد غير قليل من الحجاج، بل ربما يقطع سعيه لعدم القدرة على الإكمال، وما عرف أن السعي المطلوب هو أشواط سبعة فقط.
ثم إذا جاء الحج ينوي بالحج.
أما المفرد فإنه إذا قدم إلى مكة فإما أن يقدم إليها في اليوم الثامن أو يتوجه إلى منى، فله الخيار، فإذا قدم مكة وأراد أن يقدم سعي الحج فإنه يطوف طواف القدوم إن كان من غير أهل جدة ومن حاذاها، أو يعتبره طواف الركن لتقدمه على السعي ثم يسعى، فيكون هذا السعي سعي الحج، وإن لم يفعل توجه إلى منى في اليوم الثامن وهو يوم التروية، والذهاب إلى منى يوم الثامن سنة، فيصلي بها خمسة فروض: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقصر منها ما حقه القصر، ثم ينطلق من منى إلى عرفة في اليوم التاسع، والوقوف في عرفة ركن، والأولى أن لا يدخل إلى عرفة إلا بعد زوال الشمس، أي: قبيل الظهر بقليل، أو وقت دخول صلاة الظهر.
فإذا دخل عرفة فإنه يصلي بها الظهر والعصر جمع تقديم، ويستمع لخطبة الإمام، وليس في عرفة من مشاعر محددة أو أعمال معينة إلا الإلحاح بالدعاء والاشتغال بالذكر والتضرع لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الذي ينبغي أن ينشغل به الإنسان من تلاوة للقرآن وذكر لله ودعاءٍ وتضرع متصل لله سبحانه وتعالى.
وعرفة كلها موقف لا يحتاج الإنسان فيها إلى أن يحدد مكاناً بعينه، وإن تيسر له أن يقف في الصخرات في أسفل الجبل كما وقف النبي عليه الصلاة والسلام فعل، وإلا فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة).
ثم يدفع من عرفة بعد غروب الشمس، ولذلك قال أهل العلم: الأكمل أن يجمع في عرفة بين النهار والليل، لكن الصحيح أن الوقوف بعرفة وقته من بعد الزوال إلى فجر يوم العيد، فلو أنه لم يدرك النهار ثم جاء إلى عرفة بعد غروب الشمس ووقف بها صح حجه وتم ولا شيء عليه.
قال أهل العلم: إنه لو وقف قبل الزوال ثم خرج في ذلك الوقت فإنه لا يعد واقفاً بعرفة، وإذا فاته الوقوف بعرفة فاته الركن، وإذا فاته الركن بطل حجه ووجب عليه قضاؤه.
وهذا في عرفة، ثم يدفع إلى مزدلفة، والمبيت بها واجب، ويصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير، وللرعاة والسقاة وأصحاب الحاجات والنساء والضعفة أن يدفعوا من مزدلفة بعد منتصف الليل، والسنة والتمام والكمال أن يبقى الحاج إلى صلاة الفجر، ثم يصلي الفجر ويبقى حتى يسفر النهار -أي: حتى يبدو الضوء وينبلج الفجر- ثم بعد ذلك يذهب إلى منى ويكون قد دخل في اليوم العاشر يوم العيد.
وهذا اليوم تقضى فيه معظم أعمال الحج، يكون فيه رمي جمرة العقبة وهو واجب، وفيه طواف الإفاضة وهو ركن، وبذلك تكتمل الأربعة الأركان: الإحرام، وسعي الحج، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة.
ففي يوم النحر رمي جمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى، ووقته ممتد من بعد منتصف الليل كما وصفه بعض أهل العلم، أو من بعد الفجر إلى آخر ذلك اليوم.
وفيه طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة.
وكذلك الحلق أو التقصير، وكذلك ذبح الهدي أو الفدية، فهذه أربعة أعمال له أن يقدم منها ما شاء وأن يؤخر منها ما يشاء، وإن لم يكن سعى سعي الحج فيحسن به أن يسعى سعي الحج بعد طواف الإفاضة، فهذه الأعمال السنة أداؤها في يوم النحر، هذا إن استطاع ذلك، وإن لم يستطع فإن مدتها ممتدة إلى آخر أيام التشريق، بل إلى آخر أيام الحج إن كان هناك عذر كحيض المرأة أو نفاسها، أو وجود علة من مرض أو نحو ذلك، فإن له أن يؤخر بعض هذه الأعمال إلى اليوم الثاني أو الثالث، بل إلى ما وراء ذلك، وهذه الأعمال -كما أشرت- ليس هناك من ضرورة في التقديم أو التأخير فيها، بل كيف ما اتفق له، وإن تيسر له متابعة فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإنه أكمل وأتم في هذا الأمر.
والحلق أفضل من التقصير، والذبح الأكمل فيه والسنة فيه أن يباشره بنفسه إن استطاع، وإن شق عليه لعدم معرفته -كما هو الحال الآن- أو للزحام فإنه يوكل غيره، وهذا التوكيل صحيح ولا شيء فيه، ثم يبقى بعد ذلك في منى أيام التشريق الثلاثة، أو يبقى الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر هو مخير فيه بشرط أن يخرج قبل مغيب الشمس إن تعجل في يومين، وليس هناك من أعمال في هذه الأيام سوى المبيت بمنى وهو واجب، ورمي الجمار الثلاث وهو -أيضاً- واجب.
ويرمي الجمار على الترتيب الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ويقولون: رمي الأولى والثانية يأخذ ناحية اليسار ويجعل القبلة أمامه، ويتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، فقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو في هذه المواضع بقدر سورة البقرة، هذا موجز هذه الشعائر.
فإن استطاع أن ينفر في اليوم الثاني عشر فلينفر قبل الغروب، فإن أدركه الغروب قبل النية والشروع في الخروج من منى فإنه يلزمه أن يبيت بمنى وأن يبقى اليوم الثالث عشر فيها إلى ما بعد الزوال حتى يرمي.
وإن كان قد شرع في الخروج لكن أدركه الزحام ونحو ذلك فلا شيء عليه أن يخرج ولو غربت الشمس وهو ما يزال في حدود منى.