هذا أبو دجانة نادى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد ورفع سيفه:(من يأخذ هذا السيف بحقه؟)، فتنادى له الصحابة رضوان الله عليهم وتسابقوا إليه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(من يأخذ هذا السيف بحقه؟ قالوا: وما حقه يا رسول الله! قال: أن يقاتل مقبلاً غير مدبر)، فتراجع بعضهم لا جبناً وإنما خوفاً أن يقصروا بالوفاء، فتقدم له أبو دجانة وقال: أنا يا رسول الله! وورد في بعض روايات السيرة أن الزبير تقدم له فمنعه منه النبي وأعطاه لـ سماك بن خرشة أبو دجانة رضي الله عنه، فلما أخذه عصب على رأسه عصابة حمراء فقالت الأنصار: عصب أبو دجانة عصابة الموت، وظل يمشي مشية مختالة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن)؛ لأنه موطن إعزاز للإسلام والمسلمين، فماذا صنع أبو دجانة رضي الله عنه؟ عندما أخذ السيف وبدأت المعركة صار ينادي: أنا الذي عاهدني خليلي ونحن في السفح لدى النخيل أن لا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول ثم فلق به هام المشركين، وشق صفوفهم، وخاض في الموت، وفي حمام الهلاك وهو يجندلهم عن يمينه وشماله، قال: حتى خلصت إلى فارس يخمش الناس خمشاً شديداً فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول فإذا هو امرأة، فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب به امرأة، وكانت هذه هند بنت عتبة رضي الله عنها فقد أسلمت فيما بعد وحسن إسلامها، كانت قد تلثمت وحاربت، وكانت من أشجع المحاربين في تلك المعركة، قال الزبير في بعض روايات السيرة: فرأيت فارساً لا يجد أحداً من المسلمين يزفف -أي: في آخر الرمق- إلا وأجهز عليه، فقلت: لعله يلقاه أبو دجانة، فما زلت أنظر حتى التقيا، ثم رفع أبو دجانة سيفه ولم يمضه، فنظرت فإذا هي هند بنت عتبة.