إنهم لم ينفردوا عن العالم كما يقولون في هذه الحالة الشاذة، بل إنهم يريدون أن يقرروا ذلك ويكرسوه حتى يسيروا فيسير العالم كله من وراءهم، ويقولوا فينصت العالم كله لهم، ويأمروا فتستجيب الدنيا بأقطارها ودولها وأممها وحضاراتها لهم، وذلك يقولونه بألسنتهم ويقررونه في وثائقهم ويعلنونه في محافلهم، وليست الهدف بلداً بعينه، ولا نظاماً بعينه ولا مسألةً عسكريةً مكذوبةً مغلوطةً بعينها، بل كما جاء في إستراتيجية الأمن القومي التي عُرضت على المجالس السياسية: أمريكا ستعمل على حسم معركة العالم الإسلامي، وأمريكا لا زالت مستمرة في جهودها للحصول على دعم المجتمع الدولي، إلا أننا لن نتردد في اتخاذ خطوات من جانب واحد إذا لزم الأمر، وسنشن حرب أفكارٍ لننتصر في المعركة.
وهذا كله قبل الأحداث وقبل ما جرى مما يدعون أنه السبب في كل ذلك، ونائب وزير الدفاع المتهود يقول: ينبغي منع أي قوة معادية من السيطرة على مناطق يمكن لثرواتها أن تجعل هذه القوة قوةً عظمى، كما ينبغي تثبيط عزيمة الدول المتقدمة إزاء أي محاولة لتحدي زعامتنا، كما علينا التنبه والتوقع لأي بروز يحمل منافسة لنا على مستوى العالم.
وهذا هو الطغيان والتكبر والتجبر والغطرسة التي ينال شرها وضرها أهل الإسلام وبلاد الإسلام بشكل خاص، ولا يسلم من حرها وقرها ولظاها شعوب الأرض قاطبةً كما نراها، وهي اليوم تُبغض هذه السياسة وحملتها وقيادتها وتسعى بجهدها قدر ما تستطيع وخاصةً الشعوب.
وفي إستراتيجية الأمن القومي: إن هناك نظاماً للقيم الأمريكية لا يمكن المساومة عليه وهذه هي القيم التي نتمسك بها، وإذا كانت هذه القيم خيرةً لشعوبنا فإنها خيرةٌ لغيرنا، لا نعني أننا نفرضها بل نعني أنها قِيم الهيبة! وهذه مغالطات في الألفاظ، فهم يقولون: لا نفرضها لكنها قِيم الهيبة! يعني ستفرضها الهيبة والهيمنة والإرهاب الذي يمارسونه مباشرةً أو غير مباشرة معلناً أو غير معلن، وهذا واضح وجلي في المواقف التي نراها اليوم والتي تقع في هذه الأحداث المؤسفة المؤلمة على إخواننا المسلمين في أرض العراق، وهذه سمة واضحة ومنهج أصيل سيما في هذه الإدارة الأمريكية الحديثة.
وإذا تأملنا وجدنا كيف تطبق هذه المسائل وهذه الأفكار في الواقع عندما صدرت فتوى من مجمع البحوث الإسلامي التابع للأزهر، وإذا بالتنبيه والطلب من وزارة الخارجية بأن يُلفت نظر الحكومة وأن يدرج الأزهر في قائمة المنظمات الإرهابية.
وهكذا ترون التشدق والكذب في قضايا كثيرة ليس هذا مجال حديثنا فيها، ونحن نرى كيف تُفرض أو يُفرض منطق القوة لا منطق العدالة، ومنطق الظلم والبغي والعدوان التي تسنده القوة بأنواعها المختلفة، وماذا يقول مجتمع الأمم المتحدة ومجلس أمنها؛ هل يعارضون الحرب أو يسعون لوقف الهلاك والدمار؟ إنهم يبحثون كيف يتعامل مع آثار الدمار! إقراراً للمدمرين والمعتدين وإيقاناً بأنها -أي: الأمم المتحدة- أعجز من أن تقول شيئاً، أو أن تفعل شيئاً وإنما تسير مع الركب وتمضي مع الهيمنة وتخضع للقوة وتصبح في ذيل القائمة، وهذا هو منطق القوة الذي يفرض.