ونجد أثراً لهذا في دنيانا، فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الشيخين وغيرهما أنه قال:(من أراد أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه)؛ فإن بركة الرزق والوقت والعمر والصحة والعافية من أعظم أسبابها صلة الرحم، ودوام هذه الصلة في الله سبحانه وتعالى.
ونعلم جميعاً ما ورد في ذلك من شأن عظيم وأجر كبير وأثر ظاهر في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن التين رحمه الله: صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية.
وذلك من الآثار المهمة التي نشعر بها في صلة الرحم مع هذه الفريضة وهذا الموسم العظيم.
ونجد هذا أيضاً بيناً في أن ذلك له أثر أوسع في دائرة أوسع، كما ورد في سنن الترمذي وعند الإمام أحمد بسند رجاله ثقات، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صلة الرحم، وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار).
بل إن الأمر أعظم من ذلك؛ فإن صلة الرحم التي قد يراها الناس من باب المجاملات أو يراها الناس من باب العلاقات الإنسانية التي لا صلة لها بالدين، يجعلها إسلامنا من أعظم أسباب دخول الجنة، كما تكون الفرائض، وكما تكون الطاعات كلها لله عز وجل، فهذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم يرويه أبو أيوب الأنصاري يذكر فيه:(أن رجلاً جاء إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال له: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال له عليه الصلاة والسلام: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم).
وفي صحيح مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:(أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، ورجل عفيف متعفف)، الشاهد قوله:(ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم)، فما أعظم هذه الصلة! بل روى جبير بن مطعم في الحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا يدخل الجنة قاطع)، أي: قاطع رحم، والمقصود: لا يدخلها مع أول الداخلين، وذلك أيضاً مذكور في حديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال الحق جل وعلا: نعم، فإن لك أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك).
وكذلك وردت في هذا أحاديث كثيرة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، منها ما روى عبد الله بن أبي أوفى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم)، رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في شعب الإيمان.
حتى إن الدائرة تتسع في الحرمان والعقوبة إذا فشت قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين منها، وهو أعظمها والعياذ بالله! فهذه صلة تمتد أواصرها -بحمد الله- في هذه الفريضة في هذا الموسم، فلماذا تحرم نفسك وتبقى على قطيعتك مع رحمك: الأجل خلاف مادي أو لأجل موقف تافه، أو كلمة عابرة، أو كبرياء فارغة، أو عصبية وحمية جاهلية؟! وكم نعرف ونعلم وللأسف الشديد أن صلات مقطوعة بين أشقاء من أم وأب! وكم نعلم أن بين الأقارب ما بينهم! فكيف تريد أن تحسن صلتك بالله وصلاتك بعباده مقطوعة مخالفة لأمر الله؟