[ومضات مشرقة رائعة من صور تعظيم الصحابة لرسول الله عليه الصلاة والسلام]
أخيراً أختم بهذه الومضات المشرقة الجميلة الرائعة من صور تعظيم الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، (لما دخل النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي أيوب الأنصاري بعد أن وصل إلى المدينة قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم في سفل وكنت وأم أيوب في علو -يعني: في الشرفة العليا- قال: فما طابت نفسي فقلت: يا رسول الله! كن أنت في علو ونكون نحن في السفل، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: إنه أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في السفل -يعني: حتى يأتي الناس والضيوف- فكان أبو أيوب يسير على حافة حجرته لا يسير في الوسط، يقول: حتى لا أطأ بقدمي فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال: انكسر إناء ماء، فجئت بلحاف ليس لي ولا لـ أم أيوب غيره فجعلنا ننشف الماء حتى لا يقع شيء منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم! وروى البيهقي في شعب الإيمان (أن الصحابة كانوا إذا كلموا الرسول صلى الله عليه وسلم خفضوا أصواتهم، ومنهم أبو بكر حيث قال: لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل أي: كأنني أتكلم مع صديق بهدوء، وهذا فيه نوع من التوقير والتعظيم لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم.
كذلك في حديث البراء يقول: خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير من السكون والهيبة والصمت؛ إجلالاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام.
وعن بريدة بن الحصيب فيما رواه البيهقي قال: كنا إذا قعدنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم لم نرفع رءوسنا إليه إعظاماً له.
وهذا عمرو بن العاص يقول: لم أكن أستطع أن أنظر إليه عليه الصلاة والسلام هيبة له.
وكانوا يقولون: ما كان أحد ينظر إليه صلى الله عليه وسلم ويملي عينه من نظره إلا أبو بكر وعمر وقلة من الصحابة، أما الباقون فلا يصنعون ذلك من هيبته.
وهذا ابن عباس رضي الله عنهما وهو غلام صغير ينام عند خالته زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فيقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم حذاءه، وإذا به يتأخر قليلاً، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما لك أجعلك حذائي فتتأخر؟! قال ابن عباس: يا رسول الله! ما ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك يكون معك، لا بد أن يتأخر عنك -أي: كيف أكون أنا في نفس الصف الذي أنت فيه- فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك) رواه الإمام أحمد في مسنده.
وفي حديث أنس: (أن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير)، أما الآن فبعض الناس يأتيك، ويقرع عليك الباب بشدة، ويصيح عليك، ليس هناك أدب ولا توقير ولا احترام.
وروى مسلم من حديث أنس قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحالق يحلقه ويطيف به، فما تقع شعرة إلا في يد رجل) أخذوا شعر النبي عليه الصلاة والسلام.
وكذلك لما احتجم عليه الصلاة والسلام أخذ ابن الزبير الدم وشربه كما في الحديث المشهور.
وكان الصحابة في المدينة إذا رزقوا بالأولاد يذهبون بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكهم ويبرك عليهم ويدعو لهم بالبركة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء؛ حتى يغمس النبي صلى الله عليه وسلم فيها يده، ثم يرجعون به إلى ذويهم.
هذه وجوه من تعظيم الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله عز وجل أن يعظم مقام وقدر ومكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبنا، وأن يجعلنا معظمين له في قولنا، وفي اتباعنا لسنته والتزامنا بهديه عليه الصلاة والسلام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.