ثم اختبارات الطلاب الدنيوية تحتاج إلى جد ونشاط؛ فلا نرى أحداً في وقت الاختبارات ينام ويفرط ويهمل، بل يستعد ويجد ويشمر، ولا يترك فرصةً تضيع، وإن سئل عن سبب هذا قال: لأن الأمر جد، والوقت قد ضاع، وأحتاج إلى أن أصل إلى شاطئ الأمان وبر النجاة، وهو تجاوز الاختبار وحصول النجاح.
فإذاً: لما أراد الهدف والغاية أخذ لها طريقها وهو الجد والاجتهاد، أما إذا لم يأخذ بالجد فإنه لا يحصل النتيجة، ويكون عند الناس أحمق ومفرطاً ومقصراً.
تبغي النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس ولذلك بين الله سبحانه وتعالى لنا أن الأمر بالنسبة للآخرة لا ينال إلا بالجد.
أما المنافقون فقد وصفهم الله سبحانه وتعالى فقال:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:١٤٢]، هذا الكسول المتثاقل لا ينجح النجاح المطلوب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}[التوبة:٣٨] تكاسل، قعد، أخلد إلى الأرض واتبع هواه، هذا الذي لا يأخذ بالجد والمعالي من الأمور لا يستطيع أن يكون ناجحاً متفوقاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف أهل الجد فقال:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:١٧ - ١٨]، يجدون حتى يحصلون النجاح، ويسعون إلى الوصول إلى بر الأمان.
بعض الناس إذا قيل له في الجد في أمر الدين لم يستجب، وإن كان يجد في أمر الدنيا غالباً، ولا تحتاج أن توصيه في أمر الدنيا، فالطلاب في غالب الأمر لا يحتاجون في أيام الاختبارات أن يوصيهم أحد بالجد، كل يجد بقدر طاقته، وبأقصى حد عنده، لكن إن جئت للناس وقلت لهم: جدوا في أمر الدين وخذوا بمعالي الأمور، قالوا: إن الدين يسر، وقرءوا:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:١٨٥]، وقال:(إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) ويأتي أحدهم بأحاديث وآيات يضعها في غير موضعها، وهو مفرط في جنب الله سبحانه وتعالى، ومقصر عن التشمير والجد، كما ذكر أبي بن كعب رضي الله عنه لـ عمر بن الخطاب لما سأله عن التقوى؟ قال: أرأيت لو كنت تسير في أرض ذات شوك، ماذا كنت تصنع يا أمير المؤمنين؟ قال: أشمر وأجتهد، قال: فتلك التقوى.
من أراد أن ينجح في اختبار الآخرة فلا بد أن يحقق ما يحققه في الدنيا من الجد والاجتهاد وبذل النشاط، إلى أقصى غاية كما علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في موقفه العظيم الذي لا يقوى عليه أحد بعده، ولا يصل أحد فيه إلى تلك المرتبة:(كان يقوم حتى تتفطر قدماه، فتقول له عائشة: لم تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً)، صلى الله عليه وسلم، فجد كما تجد في أمر الدنيا، ولابد من الجد في أمر الآخرة.