[الأساس الرابع: ضرورة إعطاء التخصص أهميته في الاقتباس]
إنه ليس هناك مجال في عصرنا الحاضر للعشوائية، ولا للنية الطيبة، ولا لمجرد الاكتفاء بالصلاح، بل هذا منهج قد ذكره لنا أسلافنا، وقد روي عن مالك وغيره أنه قال: أدركت سبعين ممن يستسقى بهم -أي: لصلاحهم وعبادتهم وزهدهم- كلهم لا يؤخذ منه الحديث، يقال: ليس من أهله.
فهؤلاء أصحاب صلاح وتقوى وعبادة، لكن لا نأخذ منهم الحديث؛ لأنهم ليسوا متخصصين في علم الحديث، ليسوا حفاظاً، ولم يضبطوه لم يتفرغوا له، ولذلك أضرب مثلاً قد يكون طريفاً لكنه في صميم المسألة، أقول: عندما تعرض لك مسألة فقهية قد ترجع فيها إلى إمام المسجد، وعندما تحتاج إلى مشكلة اجتماعية قد تستشير فيها إمام المسجد، ولكن ما رأيك في رجل تعطلت سيارته وشكا إلى صديق له هذه المشكلة فقال له: اذهب بها إلى المهندس.
قال: لا، لكن -إن شاء الله- سأعرضها على إمام المسجد.
فقال الصديق: يا أخي! إمام المسجد ليس عنده علم بهندسة السيارات، فقال: لا.
إن إمام المسجد رجل طيب صالح.
قلنا: صلاحه ليس له تأثير في هذه المسألة، ولا شك أن هناك تأثيراً للصلاح بالجملة، لكن التخصص له دور، فإذا أردنا أن نقتبس من علم الإدارة فلنأت بأهل علم الإدارة المتخصصين من أهل الخير والتقوى ليفيدونا وليبينوا لنا هذا العلم، وما يمكن أن نستفيده منهم، وإذا أردنا أن نستفيد من الإعلام ووسائله وطرائقه فلابد من أن نأتي بمن يعرف الإعلام، أما أن يكون الداعية هو الذي يفهم كل شيء ويعرف كل علم فهذا الذي أظنه لم تنجبه لنا النساء في عصرنا الحاضر، إلا من رحم الله، وإن وجد أمثال هؤلاء الذين يجمعون كثيراً من المزايا فإنهم قليلون، بل أقل من القليل.
نعم هناك عند بعض الناس عقول نيرة وملكات متميزة، لكن هؤلاء قلة.
إذاً لابد من أن نعطي التخصص أهميته ودوره، ولا يمكن أن يفتي الداعية مريضاً في مرضه كما يفتي الناس الآن في أمور لا يعرفونها، تجد الإنسان يشكو من مرض فيستفسر من أي شخص، فيقول له ذلك الشخص: نعم هذا المرض قد سبق وأن مرضت به وأعطاني الطبيب كذا وكذا فخذ هذا الدواء.
فهذه فتوى جاهلة؛ لأنها لا تعرف مجال العلم، ولا تتأسس على مبدأ التخصص.
لذلك إذا أردنا أن تنتفع الدعوة فعلينا أن نستفيد من أرباب التخصصات.