المسارعة إلى الخيرات صفة جُعلت لأفضل خلق الله من الرسل والأنبياء، فبعد سياق ذكر قصص كثير منهم جاء قوله سبحانه وتعالى عنهم:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء:٩٠](أولئك) أي: الرسل والأنبياء، وجاء بصيغة المضارع المتجدد في معناه، أي: يسارعون دائماً وأبداً إلى الخيرات.
والمؤمنون الخاشعون تلك هي صفتهم كذلك، بل هي قمة الصفات وخاتمتها، كما قال الحق جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:٥٧ - ٦١]، إن الذي بلغ بهم تلك الخشية وذلك الخشوع والصفاء ونقاء التوحيد، إنهم مبادرون لأمر الله، لا يتوانون عنه، ولا يتأخرون فيه، ولا يقصرون في أدائه، وذلكم هو وصف العباد الصالحين، كما قال سبحانه وتعالى:{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}[آل عمران:١١٣] ثم جاء الوصف في تفصيله: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}[آل عمران:١١٤]، فكل نتيجة من النتائج العظمى، ومنزلة من المنازل الكبرى، لا تنال إلا بالمبادرة والمسارعة إلى الخيرات، وذلك ما بيّنه أهل العلم وفصلوا القول فيه.
قال السعدي رحمه الله في نداء الحق جل وعلا:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨] أي: سارعوا في الخيرات، (يسارعون في الخيرات) أي: يبادرون إليها، فينتهزون الفرصة فيها ويفعلونها في أول وقت إمكانها؛ وذلك من شدة رغبتهم في الخير، ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده.
وقال ابن عطية رحمه الله: هذا وصف بأنهم متى دعوا إلى خير من نصر مظلوم، أو إغاثة مكروب، وجبر مهيض، وعبادة لله؛ أجابوا، فيكون أحدهم متى أراد أن يصنع خيراً بادر إليه، ولم يسوف نفسه بالأمل.
فهل نحن كذلك؟! وهل نحن في المواسم العصيبة في طريقنا إلى الدار الآخرة كذلك؟! وعندما تمر بنا مواسم الاختبارات، من الابتلاءت المتنوعة التي لا يكاد يمر يوم دون أن تعرج علينا أو أن نمر بها، هل نحن على هذا الوصف أم أن التسويف والتأجيل وطول الأمل يكاد يقتل الهمم، ويفتر العزائم، ولا ينهض بأحد إلى مكرمة ولا طاعة؟ نحن نرى في السياق القرآني ما يبعث في النفس القوة على الأخذ بالطاعات، والرغبة في المسارعة إليها، فنداء القرآن كان دائماً وأبداً على هذا النحو:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ}[آل عمران:١٣٣]، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}[الحديد:٢١]، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨]، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦].