رمضان شهر الإنفاق، شهر العطاء، ليس عطاء المال وحده، بل عطاء في النفوس التي تنشرح، والابتسامات التي تظهر، والصلات التي تمتد، والزيارات التي تحصل، والألفة التي ترى، والاجتماع الذي يشهد.
صورة جميلة رائعة من بذل النفوس والقلوب والأرواح، وبذل الجيوب والأموال والدرهم والدينا.
لمه؟ لأسباب كثيرة، فضيلة الزمان، ومضاعفة الأجر، وكلنا يعرف ذلك في رمضان، ثم اختصاص للصدقة في شهر رمضان، كما ورد في سنن الترمذي من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام:(أفضل الصدقة صدقة رمضان).
ثم ماذا؟ اجتماع الصيام والصدقة في سياق واحد من الأعمال المفضية إلى دخول الجنة، كما روى علي بن أبي طالب فيما أخرجه الترمذي في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما ذكر من الأمور التي تدخل الجنة في شأن عباد الله الصالحين، قال عليه الصلاة والسلام:(إن في الجنة غرفاً يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فلما سألوا: هي لمن يا رسول الله؟! قال: لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام)، والصدقة فيها في رمضان إطعام الطعام، وفي رمضان الصلاة والناس نيام، وفيه كذلك الصيام، فلما اجتمعت هذه أحب كل مؤمن أن يجمعها في شهره لعله يتعرض لنفحات الله عز وجل فيستوجب رحمته ومغفرته، وينال بإذن الله عز وجل يوم القيامة جنته.
وخصيصة أخرى كذلك، وهي في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:(الراحمون يرحمهم الرحمن)، فبقدر رحمتك بالخلق تفيض عليك رحمة الله، ونحن نعلم أن القلوب ترق في رمضان، وأن الرحمة تفيض فيه، وأن الإنسان يشارك الفقراء والأيتام والمحرومين مشاعرهم ويرحمهم، فيكون أكثر عرضة لرحمة الله سبحانه وتعالى.
وخصيصة أخيرة، وهي أن ثمة نوعاً من الصدقة خاصاً بهذا الشهر يأتينا في جانبين:(من فطّر صائماً فله مثل أجره دون أن ينقص ذلك من أجر الصائم شيئاً)، فلذلك نرى الناس وهم يسارعون إلى تفطير الصائمين ليبلغوا أجرهم ويتعرضوا لرحمة ربهم.
ومن جهة أخرى فإننا نعلم أن الكفارات تكفر الذنوب، وهي أنواع كثيرة، منها الصيام، ومنها إطعام الفقراء والمساكين، فاجتمعت الأسباب كلها ليعمد المسلمون إلى أن يخصوا هذا الشهر مع ارتباطهم بالقرآن، ومع كثرة الصلاة، ومع وجود الصيام بالإنفاق، فتجود به النفوس، وتسخو به، فلا يغالبها شح، بل تنتصر بإذن الله عز وجل فيها إرادة الخير وابتغاء الأجر:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:٩].
وتستحضر النفوس قول الله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}[البقرة:٢٦١]، كم هو الأجر عظيم! وكم هو الثواب جزيل! وكم هي أعطيات الله عز وجل التي لا يحدها حد ولا يحيط بها وصف! فعطاؤه سبحانه وتعالى غير مجذوذ.