والأمر الثاني الذي يعين على ذلك استحضار فضل الوالدين، كما دلت على ذلك الآيات، مثل قوله تعالى:{وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}[الإسراء:٢٤]، فتذكر نفسك وحالك وأنت طفل لا تملك من دنياك ولا من أمرك ولا من حالك، ولا من تدبير شئونك شيئاً، وتذكر كل تلك الفضائل التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تقدر قدرها فضلاً عن أن توفي حقها، ولو أن كل عاق أو كل مخطئ في حق والديه إذا أراد أن يلفظ الكلمة، أو إذا أعرض، أو إذا صنع شيئاً من ذلك تذكر الحليب الذي أرضعته إياه أمه، والمال الذي أنفقه عليه أبوه، والحماية التي كان يتعرض فيها للمصاعب والمخاطر لكي يحميه، لو تذكر -كما يقول بعض أهل العلم- ولو قبضة أو انقباضة من انقباضات وقت الولادة ومخاضها لشعر أنه قد أجحف في حق نفسه، وأنه ينبغي له أن يطأطئ رأسه خجلاً من تصرفه، وأنه قد أتى بما لا يليق بحال من الأحوال، حتى إن البهائم -وهي بهائم- تعطف الأمهات على أبنائها، ونرى الأبناء كيف ترتبط بأمهاتها، وهذه سنة فطرية في الخلائق، فكيف بالإنسان الذي أعطاه الله العقل وأنزل عليه التشريع وضرب له الأمثلة من رسل الله وأنبيائه وصالح الأمة وعلمائها وأفاضلها؟!