حينما يأتي الأمر من الله سبحانه وتعالى للأمة المسلمة أن تكون أمة واحدة فإن هذا الدرس يبقى نظرياً، وتأتي شعيرة وفريضة الحج وتجسد هذا الأمر تجسيداً عملياً، فإذا الأمة في تلك المشاعر وفي تلك المواقف وفي تلك الأعمال وحدة كاملة، وهذه الوحدة حديثة في صورتها العملية في الحج؛ لأنها تدل على ما ينبغي أن تبنى عليها الوحدة، ليست وحدة حكومات ولا وحدة قرارات، وإنما تبدأ من أغوار النفوس وأعماق القلوب، فإذا بالقلوب في مشاعرها واحدة، وأمنية النفس وطلب الإنسان في تلك الأماكن والمناسك كله طلب واحد ومشاعر واحدة.
بل إنهم في شعارهم ولباسهم على حال واحد، ثم الهتاف والقول:(لبيك -اللهم- لبيك) هتاف واحد، ثم هم في العمل والمسير على عمل ومسير واحد من منسك إلى منسك، ثم هم -أيضاً- في الانتهاء والإفضاء والخروج من هذه الفريضة على خروج وإفضاء واحد، ليدل على أن مسألة الوحدة ليست قضية شكلية، بل هي قضية كلية ينبغي أن تشمل كل العوامل التي في المسلم الواحد، بدءاً من مشاعره ومن تصوراته ومن شعاراته ومن مظهره ومن أعماله، بحيث تصاغ صيغة واحدة.
ولذلك الوحدة التي طال الحديث عنها وتشدق بها كثيرون من أهل القومية أو من أهل البعث أو غيرهم كلها نكصت على رءوسهم؛ لأنها لم تكن على أسس الإسلام أصلاً، ولم تكن حتى على أسس مرضية في المنهج من حيث الأصل، بل كانت على مصالح، بينما ما أراده الله عز وجل أن يتجسد في الحج حتى يكون أمراً ظاهراً على الأمة بمجموعها في دولها وفي علمائها وفي حكامها على الوحدة العملية تراه حقيقة، فإن وحدة الشعوب ووحدة المسلمين في فريضة الحج كأنها تلغي كل سبب من أسباب الفرقة، وتلغي الحدود وتلغي شروط الجنسيات وتلغي -أيضاً- الطبقيات، تلغي كل ما خالف فيه المسلمون أمر الله سبحانه وتعالى، وتعطي المسألة قابلية للتطبيق خلافاً لمن يستبعد هذا ويقول: لا يمكن أن تجتمع الأمة أو أن تكون أمة واحدة.