وهذا حديث آخر من الأحاديث العظيمة رواه مسلم في صحيحه من حديث حذيفة وهو مما أحسب أنه لا يندرج على ألسنة الناس، ولا يكاد يحفظه كثير منهم، وهو في حديث الشفاعة وفي حديث الفصل بين الناس يوم القيامة، وفي أوله طول في ذهاب الناس إلى آدم وإلى إبراهيم وإلى موسى عليهم السلام جميعاً، ثم انتهاؤهم إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فيقوم إلى ربه ومولاه سبحانه وتعالى، قال حذيفة في حديثه في شأن استفتاح الجنة:(فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيستأذن، فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فتقومان على جنبتي الصراط) أي: على جانبيه، ثم ذكر بقية الحديث وفيه:(فمن الناس من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطير)، ثم قال في آخر الحديث:(ومنهم من لا يمضي إلا زحفاً).
والنووي رحمه الله في شأن كون الأمانة والرحم على جنبتي الصراط قال: لعظم أمرهما، وكبر موقعهما، فيصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله.
ونقل عن صاحب (التحرير) قوله: في الكلام اختصار، والسامع فهم أنهما تقومان -أي: في هذا المقام- لتطالبا كل من يريد الجواز بحقهما.
أي: أن كل من يريد أن يمضي على الصراط تأتيه الأمانة أولاً فتطالب بحقها، والرحم تطالب بحقها فإن كان مؤدياً لحقهما كان من أسباب سرعة جوازه على الصراط، فالأمانة المضيعة اليوم تلقاك يوم القيامة على الصراط، فهل أنت قادر يومها على أن تجوز الصراط وقد فرطت في الأمانة وخنتها، وضيعت إيمانك، وأضعفته، وأذهبت أثره، وجعلته وراء ظهرك؟ أليس كل هذا مما جاء في كتاب الله ومما ورد في سنة رسول الله؟