[ترويج المجلات الهابطة للقدوات السيئة]
الجانب الثاني -وهو أيضاً جانب خطير-: جانب القدوات.
لاشك أن الإنسان بفطرته ومدنيته يميل إلى الآخرين، كما يقول ابن خلدون: الإنسان مدني الطبع.
يعني: يعيش في مجتمعات مدنية، وغالباً ما يحتاج الناس إلى صور وإلى قدوات ينظرون إليهم، ويكونون موضع الاحترام أو موضع التقدير، وهم موضع التلقي، وهذا شيء فطري في المجتمعات: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا وهذا البيت جمع بين صورتين: (لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم)، و (ولا سراة إذا جهالهم سادوا)، وهذه هي الصورة الثانية التي تحققها كثير من هذه المجلات.
فمن هي القدوات في مثل هذه المجلات؟ إنهم بلا استثناء الفنانون والفنانات، والرياضيون والرياضيات، وأقصد بالفن: أي شيء يُسمى فناً، كالذي يشخص بالأقلام، ويلعب بالألوان، ويعتبر فناناً وعنده تشكيل، وتُجرى معه مقالات إلى آخره! فالذي يضرب نحتاً في صخر ويعطينا شكلاً ليس له أول ولا آخر يُعد فناناً، ويحتاج إلى مقابلة وإلى إبراز المعاناة والجهد الذي بذله، والخدمة التي قدمها، والتاريخ الذي سطره، والجهود التي دخل بها التاريخ إلى آخر ذلك! وتجد أن هذه المجلات تكرس هذا الجانب أحياناً تكريساً عجيباً، مع أنه ليس قضية اجتماعية، ولا قضية في حياة الناس، بل يعتبر قضية تدميرية.
وأيضاً فيها كثير من التجاوزات الشرعية والمخالفات العقدية، وهذا أمر واضح، فمثلاً: تجد مجلة مثل (حريتي) تنشر صفحات عن عبد الوهاب الفنان الراحل في ذكرى الأربعين، يعني: بعد موته بأربعين سنة، وفي كل سنة تأتي ذكراه لابد أن تفرد الصفحات الطويلة عما كان يأكل؛ ومن الحلاق الذي كان يحلق له؟ ومقابلة معه، وكيف كان يحب أن يسافر؟ هل في الطائرة أم في البر؟ وكيف سافر مرة بالطائرة ثم زال الخوف منه؟ وما هي آراؤه في الحياة؟ إلى آخره.
ثم تجد أيضاً صوراً بشعة وللأسف أنها تُكتب كما هي، على اعتبار أن هذا فنان، فتجد عدة صفحات في (النهضة) عن رشدي أباظة زعيم أو سيد السينما أو كذا، ومذكور في ضمنها: قصة زواجه ست زوجات؛ تزوج أولاً بمغنية فرنسية تعرف عليها في إحدى الزيارات في ملهى من الملاهي أو كذا، وبعد شهور طلقها، ثم تزوج ممثلة مصرية، وما أتم معها سنة حتى طلقها، ثم تزوج مضيفة أمريكية تعرف عليها في الطيارة، وأيضاً بعد فترة قصيرة طلقها، ثم تزوج راقصة أيضاً، وبعد عدة سنوات طلقها طلقة أولى، ثم عادت، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم بعد ذلك تزوج الممثلة الشهيرة صباح، وكان الزواج مدته ثلاثة أيام.
وبعد ذلك حينما كان مريضاً وعلى وشك الموت أراد السفر للعلاج فتزوج ابنة عمه؛ حتى تكون فقط مرافقة له، وبعد أن رجع إلى بلده طلقها، فهل يُعرض هذا ليكون نموذجاً للناس؟ أم لنقده؟ أم لأي شيء يُعرض؟ وهذه المعلومات معروضة ضمن ما قدم، وضمن جهوده المباركة، وجهاده ونضاله في الفن! وهذه الصورة في الحقيقة نلحظ أنها تكرس أو تعود الناس على مثل هذه الأمور، وهذه صورة سيئة وقبيحة، لكن من خلال العرض المتكرر ومن شخصيات متكررة يُراد للناس أن يألفوا هذه الأمور، وأن يعتبروها قضايا عادية، بل هي نوع من التحرر والانطلاق من القيود والاستمتاع بالدنيا، ونحو ذلك! وتجد في المقابلات مقابلة مع ممثلة: من هي قدوتكم في الحياة؟ أو من هي كذا؟ فتقول: فلانة الفلانية سيدة الشاشة العربية، هي التي تأثرت بها، وأتمنى لو استطعت إلى آخره! ثم تجد أيضاً الثناء والتركيز على الشخصيات التي ليس لها دور في المجتمع إلا أن تسلب قوت الناس المغفلين إذا صح التعبير، ثم بعد ذلك تمارس أعمالاً ضد هؤلاء، فتأخذ فلوسهم، ثم أيضاً تحاربهم في إيمانهم وفي شخصياتهم وفي معتقداتهم إلى آخر ذلك.
وتجد مثلاً مجلة مثل (صباح الخير) تنشر عن عارضة أزياء مصرية أنها فازت بجائزة سباق في حفل لعرض الأزياء، وأخذت الجائزة الأولى على أربعة وأربعين دولة، وأنها تعتبر سفيرة مصر في صناعة الأزياء، وأنها استطاعت أن تثبت كذا، وأنه ذهب الزمن الذي كنا فيه دائماً في المتأخرين، وأصبحنا الآن ننافس على المراتب العالية! وما سمعنا أن هناك من نافس وأخذ الأول في الصناعة أو الأول في الزراعة أو الأول فيما ينبغي أن يكون في مثل هذه البلاد المترامية الأطراف التي فيها أعداد غفيرة من الناس.
وهكذا تجد أن من خلال هذه القدوات تُوضع بعض المعاني التي فيها مخالفات شرعية، ففي مقابلة مع إحدى الفنانات سُئلت: لو عُرض عليك أن تشاركي في تمثيل فلم عن المحجبات؟ فقالت في الإجابة: لا بأس؛ كل شيء قابل للجدل وللأخذ والرد، وليست هناك مشكلة في المشاركة؛ لأن هذه القضايا تختلف حولها الآراء! وكأنه ليس فيها حكم في الشرع، وأن هذه الأمور شخصية، وأنه لا بأس ما دام هذه ظاهرة من الظواهر يمكن أن تناقش.
وسُئلت: كيف تقضي أوقات الفراغ؟ فقالت هذه الفنانة: إنها تذهب إلى البحر تستمتع وتقرأ وتتابع الحركة الفنية من خلال الفيديو! إذاً: نريد لأمهات المستقبل أن يكن على هذه الشاكلة أو على هذه الصورة! فهذه ناحية مهمة، وهي قضية التركيز على القدوات السيئة وإبرازها على أنها هي محطة الآمال ومهوى الأفئدة، وهي التي تحلم بها النساء والبنات في خدورهن، ويحلم بها الشباب الصاعد وجيل المستقبل، فكلهم يحلم في أن يكون -كما يقولون- يرى أن المجد ركلة قدم أو جرة قلم أو رنة نغم، فهذه الثلاث هي التي يُراد أن تكون فقط هي الآمال وهي الطموحات، ونحوها تتوجه الجهود، وهذا طبعاً لاشك أنه جريمة كبرى في حق المجتمع، وهذا في نفس الوقت بلاء، ويتحقق به كثير من المفاسد.