[الحكمة من تشريع الحجاب]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم، واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من التقوى أخذ أسباب العفة والستر والحجاب حتى لا تفتن القلوب، ولا تنصرف النفوس إلى الشهوات، وحتى نسلم من غوائل الفتن والإغراء والإغواء الذي نزع به الحياء، واغتيلت به العفة، وظهر به ما صار -والعياذ بالله- يرى في البيوت رأي العين ويسمع من خلال هذه القنوات والفضائيات التي أصبحت تمثل قمة -في أكثرها- في الفسق والفجور والدعوة إلى الخنا والزنا، فإنه يؤتى بالمرأة لا يكاد يستر جسمها شيء، ثم تتلوى وتترقص وتتغنى، ثم تأتي بالقول الذي فيه تأنث وتكسر وإغراء وإغواء، ثم يقال لك بعد ذلك: إن هذا فن وثقافة، وتنمية للذوق، وإسهام في رفع مستوى الأمة! ولست أفيض في هذا، فكلنا -سواء من كان ملتزماً بدينه، ومن كان غير ملتزم بدينه- يعلم أن كل ذلك من الحرام، وأنه لا يقصد به إلا الإغواء والإغراء والإلهاء والإبعاد عن دين الله عز وجل، ونزع السمة المحافظة عن المجتمع.
ووقفتي الأخيرة مع بعض علل القرآن التي جاءت في هذه الآية: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، فعلة الحجاب صيانة المرأة، ومنع الأذى عنها، وحفظها من أعين الذئاب البشرية، وصون أذنها من الكلمات البذيئة الفاحشة، وصون حيائها وعفتها من الاعتداء والاغتصاب وغير ذلك.
فهل ترون هذه العلل واقعة في دنيا الناس اليوم؟ كلكم يدرك ويسمع ويعلم ما تلقاه كل امرأة متبرجة، مما يلهب جسمها من نظرات تكاد تلتهمها، ثم ما يخدش حياءها إن كان باقياً في نفسها، ومما يحزن نفسها -إن كان فيها بقية خير- من الأقوال البذيئة، والكلمات التي فيها المعاكسات والإغواء، ثم بعد ذلك قد تجد يداً تمتد لتلمسها أو لتخطفها، ولسنا نحن الذين نقول هذا، بل يقوله الذين عاشوا حياة الحرية المزعومة في الغرب، حتى لم يجدوا بداً من أن تكون لديهم عشرات الجمعيات التي تتخصص في الدفاع عن النساء، أو منع الاغتصاب أو غير ذلك، وبيئات العمل تشهد نسباً عالية تصل إلى نحو من (٨٠%) من النساء العاملات يتعرضن لما يعرف بالتحرش الجنسي لفظياً أو عملياً، حتى أننا نسمع عن كبار القوم من الرؤساء والزعماء وما يحكى من فضائحهم الجنسية، وانحطاطاتهم الأخلاقية التي لا تليق بسفلة الناس فضلاً عن شرفائهم في قومهم، ثم بعد ذلك يأتينا قوله جل وعلا: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يخبرنا فيقول: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم مبالغاً؟! وهل كان عليه الصلاة والسلام -معاذ الله- متشدداً كما يقولون؟! وهل كان فكره -كما يدعي المرجفون- منحصراً في الجنس فقط، ولا يرى من المرأة إلا ذلك والعياذ بالله؟! يقول عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، فإنك إذا قلت ذلك الكلام السابق قالوا لك: إنك غير متحضر، ولا تنظر إلى المرأة إلا في الجنس، ولا تحاول أن تستمع إلى علمها وأدبها، وتنظر إلى عقلها وفكرها، فيقال لهم: كل الذي تخاطبوننا به خاطبوا به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم إن كنتم صادقين، الصادق المصدوق المعصوم الذي لا {يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤]، فهو الذي قال لنا وأخبرنا بذلك، وهو الذي صدق بذلك قول الحق جل وعلا: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].
أخبرونا عن رجل يخلو بامرأة ثم يدعي أنه يفكر في علمها، ورجاحة عقلها، وحسن تفكيرها ونحو ذلك، إنه أحد رجلين إما رجل ليست فيه رجولة ولا فحولة، وإما رجل خبيث ماكر يدعي ذلك ويبطن غيره؛ لأن الله خلق الإنسان: رجلاً وامرأة منجذباً بعضهما إلى الآخر، والشهوة نداؤها طبيعي غريزي، فإذا وجد الإنسان الطعام وهو جائع، فهل تراه يفكر في قيمته الغذائية؟! وهل يفكر في معان أخرى أم أنه سيفكر في التهامه وسد جوعة بطنه؟! وكذلكم ذلك كذلك.
وهذه العلل التي جاءت بها الآيات القرآنية إنما كشفت لنا عن المساوئ والمخاطر والمشكلات التي تنشأ عن عدم الالتزام بهذه التشريعات، وانظر إلى قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢] فما الذي يسمعه الناس اليوم من الغناء الماجن؟! وأي شيء يفعل بقلوبهم عموماً وبقلوب الشباب والفتيات خصوصاً؟! آهات الغرام، وكلمات الحب التي تنطق بها امرأة لعوب، بألفاظ تذوب ميوعة، فهل يشك أحد أن لها فتكاً في القلب والنفس، وأثراً وخيماً في التعلق بالشهوة والانصراف عن الخير والتقى والطهارة والعفاف؟! وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر تلك هي الحقائق، وقد عبر عنها أصحاب العقول، وأصحاب المعرفة الحقة بمآلات الأمور: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء، وذلك الذي نراه، والذي تؤكده الوقائع في بلاد المسلمين، وفي غير بلاد المسلمين.
فالله الله! في صون المرأة المسلمة وعفافها، وسلامة المجتمع المسلم من أن تستبد به الأهواء، وأن تستعر فيه نيران الشهوات، وأن يعظم فيه الابتلاء بمثل هذه الملهيات والمغريات.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا ديننا، وأن يحفظ على نسائنا عفتهن وحيائهن، ونسأل الله أن يجمل نساء المسلمين بالستر والحشمة والحياء والعفة، وأن يحفظ قلوبنا وقلوب نسائنا من الشهوات المحرمة، والإغراءات الآثمة.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا بكتابك مستمسكين، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين، نسألك اللهم أن تعصمنا بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
اللهم رد عنا كيد الكائدين، وادفع عنا شرور المفسدين.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، وأن تجعلنا هداة مهديين.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وطهر قلوبنا، وأخلص نياتنا، وأحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وضاعف أجورنا، وارفع مراتبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، يا رب العالمين! اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، خذ اللهم بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه، يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل شر وضر وأذىً يا رب العالمين! اللهم احفظ عليها أمنها وأمانها، وسلمها وإسلامها، ورغد عيشها واستقرارها.
اللهم رد عنا كيد الكائدين وادفع عنا شرور المعتدين، وسلم ديار المسلمين، واحقن دماءهم، واحفظ أعراضهم وأموالهم، يا رب العالمين! اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أحصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم رد كيدهم في نحورهم، وأشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، وخالف كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، وأنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا متين! اللهم اشف فيهم صدور قوم مؤمنين، عاجلاً غير آجل، يا رب العالمين! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان، يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، يا رب العالمين! ووفق اللهم ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.