فإن منطلق كل تعليم لا بد أن يتوافر فيه إخلاص لله، وغاية مشدودة إلى طلب رضوان الله، ورغبة مخلصة في الامتثال لأمر الله والتزام شرع الله سبحانه وتعالى، تلك الغاية هي التي تفرق بين مسلم مؤمن يأخذ العلوم من كل حدب وصوب ومن كل فن ولون، لكنه لا يأخذ ما يعارض شرع الله، ولا يأخذ إلا ما يستخدمه في مصلحة عباد الله.
تلك الغاية المهمة التي ينبغي أن نغرسها في أبنائنا وبناتنا، وقد غلبت المادة على الناس إلا من رحم الله، فلم يعد أحد يتعلم إلا لوظيفة، بل أصبح تخصصه وتوجهه مرتبط بما سيئول إليه حاله بعد هذا العلم من اكتساب رزق وحظوة اجتماعية ومكانة دنيوية وغير ذلك، حتى إنك لو سألت طالباً اليوم -لا أقول في المدرسة بل في الجامعة، بل ربما حتى في الدراسات العليا-: لم تدرس لأعطاك تفصيلات من الفروع الدقيقة المتعلقة بهذه الأمور الدنيوية المادية الاجتماعية، ولم تجد في ذهنه ولا في قوله شيئاً من الغايات السامية ولا الأمور العظيمة المتعلقة برسالته ودوره في هذه الحياة ودوره تجاه أمته وتجاه تاريخه وحضارته، فشتان في كثير من الأحوال ما بين جيل اليوم وأجيال خلت، ولذلك عندما نقول: إن هذه المهمة أخطر المهمات فلابد أن ننقل تعريفها، وهذا ليس منا، بل من الغرب أنفسهم، ففي دائرة المعارف البريطانية تعريف للتربية يقول: هي الجهد الذي يبذله ويقوم به آباء شعب ومربوه لإنشاء الأجيال القادمة على أساس نظرته للحياة التي يؤمنون بها.
إنها جهد يقوم به الآباء والمربون، لماذا؟ لينشأ جيل يترجم ويمثل نظرتهم للحياة التي يؤمنون بها، فهل يدرك المعلمون والمعلمات والطلاب والطالبات -بل والآباء والأمهات- هذا المعنى المهم الذي يبين فيه هذا القول أن التربية ليست مجرد معرفة ومعلومات، بل هي فكر وسلوك وقيم ومعان وضوابط تنتقل من جيل إلى جيل عبر هذه المؤسسات التعليمية والتربوية في الأسرة وفي المدرسة، وفي وسائل الإعلام وغير ذلك.
إن المهمة الأساسية للمدرسة أن تضخ القوة الروحية، وتجعل لها تأثيراً في التلاميذ حتى يواصلوا الاستمرار على نهج جيلهم السابق بذات النظرة التي يعيشون بها ويتقدمون إلى الأمام.
إذاً أول هذه الأمور ما نريد أن نثبته في هذه القضية، وهو الإخلاص وإدراك الغاية.