[المقارنة بين خطر الديمقراطية الغربية والقومية العربية]
فإذا عرفنا هذه الحقائق اعتدلت النظرات، ولم نكن إما مع هؤلاء أو مع هؤلاء، بل نحن مع المبدأ والحق الذي ينبغي أن يكون، ولابد أن نعرف المفاسد والمصالح وأوزانها ومقاديرها.
فإن ديمقراطية أمريكا مسح لأصول ديننا من جذورها، وتغيير لمقومات مجتمعاتنا من أساسها، وانحراف تريد أن تشيعه كما هو شائع عندها وعند مثيلاتها، فهم يريدون دوماً أن يكون في بلادنا مثل الذي في بلادهم مما يزعمونه من حرية المرأة، وحرية الأديان، وانفتاح الفكر والمناهج؛ ليهدموا كل ما هو أصيل في حقوقنا.
وأستحضرها هنا مقالات جاهلية وإسلامية تبين لنا أموراً ينبغي معرفتها: في وقعة حنين كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض مسلمة الفتح، وكان في أول المعركة ما كان من جولة كانت على المسلمين، وإذا بـ صفوان بن أمية وهو حديث عهد بإسلام يضطرب أمره، ويأتيه من يقول: بطل سحر محمد، فلنكن مع القوم الغالبين، فقال وهو إذ ذاك في أول إسلامه: لئن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من ثقيف أو هوازن.
أي: إن حكم محمد بالنسبة لهم وهو من قريش، أولى عندهم من أن يكون المتسلط عليهم أجنبياً أنأى وأبعد.
وقالها ابن عباد يوم جاء ابن تاشفين في أواخر عهد الأندلس لينصر أهل الإسلام، فقيل له: يا ابن عباد! إن انتصر ابن تاشفين أخذ ملكك، فقال: لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل! ولا بد أن يعي المسلمون مواقفهم، وأن يزنوا كلماتهم، وأن يعرفوا مبادئهم، فـ المعتمد بن عباد يقول: لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل.
وحسبك بها كلمة قالها في ظرف عصيب؛ وكان ملكه مهدداً، وكانت دولته إلى زوال، لكنه آثر أهل الإسلام والإيمان، وآثر أن يكون ذيلاً في الحق على أن يكون رأساً في الباطل.