للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأوقات الطويلة التي تهدر في متابعة البرامج الغنائية]

أنتقل بكم إلى صورة أخرى لعلي بتفكيري القاصر وبتحجري الذي قد يوافقني فيه بعضكم أعد هذا الأمر أخطر من الأول وأفدح خسارة: أسألكم عن الأوقات المهدرة التي تعد بملايين الساعات من الذين تابعوا باستمرار أو بتقطع هذا البرنامج، وأنفقوا فيه تلك الأوقات في أعداد الله أعلم بها، وعلى مدى أربعة أشهر فيها نحو من عشرين ومائة يوم، فكم من الساعات المهدرة في هذا البرنامج؟! أريد أن أرى قيمتها، وأريد أن أرى نتيجتها، وأريد أن أراها علماً رسخ في العقول، أو خلقاً ظهر في السلوك، أو همة ظهرت في النفوس، أو حسناً ظهر في العلاقات، أريد أن أرى قيمة هذا الوقت المهدر من شبابنا وشاباتنا أين مصيره؟ هل مصيره إلى هذا اللهو العابث، والفراغ القاتل، والدرك الدنيء الذي لا يبعث همة ولا يوقظ عقلاً، ولا يحيي قلباً، ولا ينتج في آخر الأمر نفعاً أو فائدة؟! ولو أردت أن أحسب ذلك لرجعت بكم إلى أمور يذكرها أهل العلم في الاقتصاد عندما يقيسون المال بالأوقات، وتأتينا الإحصاءات لتقول لنا: إن معدل إنتاجية العامل الياباني قد تصل إلى نحو أربعة أضعاف العامل الأوروبي أو الأمريكي، وأما المقارنة بمن هم في عالمنا الثالث فتلك مسألة أخرى! وفي إحصائية علمية أجريت على بلد عربي كبير درست الوقت المستثمر من أوقات الثماني الساعات في العمل اليومي في القطاع الحكومي، فلم تزد في أقصى درجاتها عن (٣٧%) من ذلك الوقت! فأين نحن من هذه الأرباح العظيمة التي جنيناها فيما سمعناه من هذه الأخبار: الفوز الحلم الذي تحقق التفوق الصعوبات الصمود والتصدي فأين نحن من هذه الحقائق؟! وأين نحن من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)، الوقت الممتد الأيام والليالي الشهور والأعوام! وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ الستين)، وفي حديث معاذ عند الترمذي وغيره من أصحاب السنن عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه)، فسؤالان خاصان بالعمر والوقت، وبزهرة العمر في مرحلة الشباب، فأين تهدر؟ هل تهدر على مذابح القنوات، وعلى المشاهد الفارغة إن لم نقل: العابثة أو المفسدة؟! وخذوا هذا؛ فإني أجعل قيمته -لو حسبناها بالحساب المالي- أضعافاً مضاعفة عن قيمة الأموال التي تصرف في تلك الاتصالات أو في غيرها.