هذا الحياء قرين الإيمان، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنه خصلة من خصال الإيمان، وخصه بالذكر من بين سائر الأخلاق حينما قال:(الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، ثم قال:(والحياء شعبة من الإيمان).
لم يكن هذا التخصيص عبثاً منه صلى الله عليه وسلم، بل لأن حقيقة الإيمان مرتبطة بهذا الحياء، ولذلك كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أشد حياءً من العذراء في خدرها، رغم أنه عليه الصلاة والسلام كان يجيب السائل، ويعاتب المخطئ، ويقوم الذي يعتدي على حقوق الآخرين، إلا أن حياءه لم يكن يفارقه في لحظة ولا في حركة ولا في سكنة، فجمل حينئذ خلقه، وصدق وصف الله جل وعلا:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:٤].
فلما تحلى بزينة الإيمان، وتوج خلقه بتاج الحياء، أسر القلوب، واستمال النفوس، وصار الناس يتأثرون بهديه وسمته وفعله أكثر مما يتأثرون بقوله، فضلاً عما يتأثرون بزجره أو وعيده أو بعقابه الذي يمضيه في حكم الله سبحانه وتعالى عليه، وصبغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المجتمع الإيماني الرباني بصبغة الحياء، فإذا بك تعيش في عهد النبوة لا تسمع كلمة نابية، ولا ترى فعلاً يخدش الحياء، بل عند الحاجة الملحة يظل الحياء زينة ووقاراً.