العدالة العمرية معلم عظيم من معالم السيرة العمرية التي نتفيأ ظلالها، ونستقي أخبارها، ونجني من ثمارها، والعدل أساس في الحياة الإنسانية كلها، وبانعدامه تختل الأمور، وتضطرب الأحوال، وتقع الشحناء والبغضاء، ويفشو الظلم والاعتداء، وما من نفس بشرية ما تزال على فطرتها إلا وهي مفطورة على إباء الظلم، ومفطورة على حب العدل، وتجد أن في العدل راحتها وطمأنينتها، وتجد فيه أساساً لانطلاقها وحريتها، وتجد من خلاله فرصة لعملها واستثمارها، وبدونه تتعطل الطاقات، وتكبت الحريات، وتتبلد الأحاسيس، ويفوت الناس خير كثير.
وعمر رضي الله عنه جاء في فترة من الزمان عصيبة وعجيبة، تضاعفت فيها مساحة الدولة الإسلامية أضعافاً مضاعفة، ودخل فيها في دين الإسلام آلاف مؤلفة، وتشعبت الأمور، واختلفت طرائق الحياة، وتغيرت موارد الرزق، وتفجرت خيرات الدنيا، وكان عمر رضي الله عنه قد عاش مع النبي صلى الله عليه وسلم بيئة فيها بساطة، وفيها محدودية في مساحتها وفي إطارها، ولكنه تعلم المبادئ، وتلقن الأسس، وتلقى المنهج الذي يطبق على الفرد كما يطبق على الأمة وإن بلغت الملايين من البشر، ويطبق على الرقعة الصغيرة كما يطبق على الدنيا كلها في شرقها وغربها، وتلقى قول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}[النحل:٩٠]، وقول الله جل وعلا:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:٨]، وتلقى من محمد صلى الله عليه وسلم نموذج العدالة الأكمل في فعله عليه الصلاة والسلام، فلذلك جعل عمر رضي الله عنه هذا المعلم ركناً ركيناً وأساساً مكيناً في سياسته، وفي معاملته، وفي إدارته، وفي فتوحاته وجهاده رضي الله عنه وأرضاه.