[اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم]
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع قال ابن الجوزي مستشهداً بقول مجنون ليلى: إذا قيل للمجنون ليلى ووصلها تريد أم الدنيا وما في طواياها لقال غبار من تراب ديارها أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها قال ابن الجوزي: وهذا مذهب المحبين للأخلاء.
فكل محب يكون أدنى شيء من محبوبه أعظم إليه من كل شيء في دنياه، فكان أدنى شيء من الله ومن رسوله أعظم وأحب إلى كل مؤمن من كل شيء في دنياه، وحسبنا في ذلك ما جاء في كتاب الله في قصة يوسف عليه السلام: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:٣٣] أحب السجن لأنه في مرضاة الله، وفيه العصمة من معصية الله، ولا أحد يحب السجن لظلمته وأسره وقيده لكنه كان محبوباً لقلبه لمّا كان فيه محبة ربه وسلامته من معصيته.
وهكذا نجد النصوص تتضافر في ذلك، فتأمل هذا الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه كما عند الترمذي -وقال عنه: حسن غريب- قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأنس نعلم من هو، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين، يقول أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لم لم تفعله؟ كيف كان يأمره وينهاه وهو خادمه؟ كيف لم يقل له: لم فعلت.
أو: لم لم تفعل؟ لو أردنا أن نفعل ذلك مع أحد من خدمنا لا نستطيع أن نفعل ذلك ولو عشرة أيام، وليس عشر سنوات! هذا أنس يقول: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني! إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل.
ثم قال لي: يا بني! وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة) معادلة واضحة، والمحبة في هذا الاتباع ظاهرة.
قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم كلاماً جميلاً، قال: فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكره الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئاً يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكثير المحبة الواجبة.
وهنا ملحوظة مهمة، قال: من عصى أو قصر في واجب نقصت محبته ولم يَزد.
وبعض الناس يتعجل فيرى العاصي فيقول: إنه مبغض لرسول الله، أو كاره لرسول الله.
وتلك تهمة عظيمة وفرية كبيرة، حسبك في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي كان يشرب الخمر فأتي به فجلد، ثم مرة أخرى شرب فأتي به فجلد، ثم ثالثة فأتي به فجلد، فقال رجل من الصحابة: (لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به!) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله) فأثبت له النبي المحبة مع وقوعه في كبيرة من الكبائر، فلا تهجم على الناس بنفي المحبة؛ فإنها نفي إيمان وإخراج من الملة إن كنت تقصد نزعها بالكلية، والعياذ بالله.