للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التدرج والاستثمار لعاطفة الحماسة]

لو أننا تدرجنا لوجدنا أننا سنحصل أكثر مما نحصل عليه بالسرعة التي ليس فيها مراعاة للواقع ولطبيعة الإنسان، ومن أحسن الأمثلة في هذا قصة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، فإنه لما تولى أبوه الخلافة كان عند الخلافة ورعاً وزاهداً، وكان يأخذ بالجد في الأمور، فجاءه ابنه عبد الملك ينكر عليه ويقول: كيف تلقى الله عز وجل بمثل كذا وكذا؟ فقال له: ألا ترضى ألا يمر على أبيك يوم إلا وهو يميت بدعة ويحيي سنة؟ ذاك الشاب يريد أن تكون كلها في يوم واحد، ولكن أباه لحكمته -وأيضاً لقوة إيمانه وحماسته- كان يريد أن يجعلها في منهجية تحصل بها النتيجة ويقع بها الأثر المطلوب.

وهكذا ما كان من شأن النبي عليه الصلاة والسلام في عمرة القضاء في العام السابع من الهجرة، حيث طاف النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة والأصنام حولها ستون وثلاثمائة صنم، والرسول يطوف بها بعد صلح الحديبية ولم يشتمها، ولم يتعرض لها أبداً؛ لأن هذا له مجال آخر، وبعد عام واحد فقط عند أن جاء لفتح مكة جاء ومعه محجنه عليه الصلاة والسلام، فجعل يطعن هذه الأصنام وهي تتهاوى، ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:٨١].

فكل شيء بأوانه، والإنسان يجتهد ويعد عدته ويفكر ويدبر ويستشير، ويستعين بالله عز وجل ويستخير، وأما التعجل فلا ينبغي أن يكون.

وأيضاً الدوام والاستمرار هو طبيعة ذلك التدرج، فخير الأعمال أدومها وإن قل، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل ما داوم صاحبه عليه، ولكي نحافظ على هذه الحماسة وتأتينا ثمرتها فنحن لا نريد العواطف التي تصل بنا إلى العواصف القاصمة، وإنما نريد العمل الذي يدوم ويستمر.

فهذا ابن عباس رضي الله عنهما كان له صاحب من الأنصار، قال: لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم قلت لصاحبي من الأنصار: اغد بنا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نطلب العلم.

فقال له: ومن ينظر إليك يـ ابن عباس وفي القوم أبو بكر وعمر وعثمان؟ قال: فانطلقت وتركته، وبدأت أتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخذ عنهم).

وتدرج رضي الله عنه حتى أصبح بعد فترة قصيرة من الزمن بهذه المواظبة والاستمرارية هو حبر الأمة وترجمان القرآن، فرضي الله عنه وأرضاه.

وفي الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى حبلاً متدلياً فقال: (ما هذا؟ قالوا: حبل لـ زينب تصلي فإذا تعبت تعلقت به.

قال: مه! عليكم من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا تعب فليرقد)، فخذ أمراً تستطيع أن تواصل فيه؛ فإن هذا من الأمور المهمة، وينتج عن هذا أننا لو أخذنا بذلك سوف تنمو هذه الحماسة وتنتشر، وتعم هذه الإيجابية بشكل مهم وأساسي.