للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عاطفة المحبة بين الداعية والمدعو]

ثم أنتقل إلى لب هذا الموضوع وهو الذي يتعلق بصور من العواطف وصلتها بالممارسات الدعوية، وربما تنقلب العواطف إلى عواصف أو إلى قواصف في بعض الأحوال.

وسوف أتحدث عن عاطفة المحبة على وجه الخصوص في الصلة بين الداعية والمدعو، فنحن نعلم أن المحبة ابتداءً أمر إسلامي إيماني بحيث لابد أن يحب المرء أخاه، ولا شك أنه إذا اتصل بآخر ليوجهه وينصحه ويدعوه إلى الخير فإنه سيكون بينهما ارتباط واتصال أكثر، وهذا يعني أن تكون محبته له أعظم وأكبر، وهذا أيضاً أمر مسلم به.

ونحن نعلم أيضاً أن لهذه المحبة عندما تفيض في السلوك والتعامل مع المدعو أعظم الأثر في استمالة قلبه وإقناع عقله وتأثره بالداعية كقدوة يقتدي به في كثير من أحواله وسلوكياته.

ونعلم أيضاً أن لهذه العاطفة ولهذه المحبة ما يعين على أن تتقوم نفس المدعو تقويماً عاطفياً، فتتهذب نفسه، ويُكِن الخير للآخرين، ويضمر المحبة، ويلتمس العذر، ويُحسن الظن، فهذه كلها من الآثار الإيجابية للتعامل الأخوي الذي تسوده المحبة الإيمانية والأخوة في الله عز وجل، ولكن هناك ما قد نسميه تجاوزاً للحد أو زيادةً عن القدر المطلوب، وهذا لمسته في بعض الأسئلة التي يذكرها الشباب، فيأتي أحدهم ويقول: إن لي صلةً بفلان من الناس أو بأخٍ لي أو بجار، وأدعوه إلى الخير، ولكنني أشعر أن هذه الصلة ليست هي الصلة المطلوبة في الأخوة في الله، وأشعر أن هناك أمراً آخر ليس مندرجاً في هذا الإطار أو تحت هذا العنوان، وقد يجد الإنسان لهذا صوراً أذكر بعضها، لكنني أحب أن أشير أولاً إلى أن وجود المحبة العاطفية البحتة مع الأخوة الإيمانية ليس أمراً معيباً ولا معترضاً عليه؛ فإننا عندما نقول -على سبيل المثال-: إن أصدق وأعظم وأكبر محبة هي الاتباع للنبي عليه الصلاة والسلام، فلا يعني ذلك: أن نتبعه متجردين من عاطفة الحب، فالمحبة الصادقة أننا لسنا نتبعه عليه الصلاة والسلام لمجرد الأمر والنهي، بل هذا أصدق أنواع الإتباع، ونؤيده ونجعل له استمراريته وحيويته وقوته أن قلوبنا تخفق بالمحبة الخالصة العاطفية له عليه الصلاة والسلام؛ لما له من عظيم الخلال وكريم السجايا والمنزلة العالية عند الله عز وجل والنعمة والفضل الذي أسداه لهذه الأمة ولكل فرد منها، وذلك عندما تريد من خلال هذه الأخوة أن توجه وأن تنصح فإنك لا يمكن أن تنفصل عن المحبة العادية الفطرية، بل هي قرينة لهذا.