للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بر الوالدين طريق من طرق الجنة]

وإذا قلنا: ما أعظم شيء نأمله ونرجوه؟ وما أعظم أمنية نفكر بها ونتعلق بها؟ فإن الجواب عند كل مؤمن ومسلم واحد، وهو دخول الجنة، ونيل رضوان الله عز وجل، فإليك طريقاً ممهداً سالكاً موصلاً إلى تلك الغايات العظيمة، وهو بر الوالدين.

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل الجنة فقال: (دخلت الجنة فسمعت قراءة، فسألت: من هذا؟ فقيل: حارثة بن النعمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم البر، نعم البر.

وكان حارثة من أبر الناس بأمه) فهذا الربط بين إخبار النبي عن كونه في الجنة وبره بأمه ظاهر الدلالة في أن هذا العمل بظهوره في حياته وعنايته به وحرصه عليه واستمراره فيه جعل له هذا المقام العالي وتلك الرتبة الرفيعة.

وكذلك جاء الحديث العظيم الذي رواه أبو هريرة وفيه يثلث النبي صلى الله عليه وسلم القول فيقول: (رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه.

قالوا: من يا رسول الله؟! قال: من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة) أي: لم يقم ببرهما بما يدخله الجنة؛ لأنه فرط وقصر، أو عق وجحد، والعياذ بالله.

وإذا تأملنا ذلك فإننا واجدون الصراحة والوضوح في تلك النصوص، ومن ذلك ما رواه الترمذي وابن حبان وصححه عن أبي الدرداء قال: قال عليه الصلاة والسلام: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه).

قال بعض الشراح: (أوسط أبواب الجنة) أي: خيرها.

والمقصود بالوالد الوالدان معاً الأم والأب، فهما اللذان يكون من خلالهما باب هو خير الأبواب إلى الجنة، وهو باب برهما والإحسان إليهما.

ولو مضينا لوجدنا ذلك أكثر وأظهر، فإن معاوية بن جاهمة السلمي قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله! إني كنت أردت الجهاد معك ابتغي وجه الله والدار الآخرة.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك! أحية أمك؟ فقال: نعم.

قال: ارجع فبرها.

قال معاوية: فأتيته من الجانب الأيمن فقلت: يا رسول الله! إني أردت الجهاد -وكرر القول- فقال له: ويحك! أحية أمك؟ قال: نعم.

قال: ارجع فبرها.

قال: فأتيته من أمامه فأعاد القول، فقال له رسول صلى الله عليه وسلم: ويحك! الزم رجلها فثمَّ الجنة) رواه النسائي وابن ماجة والإمام أحمد والحاكم بسند صحيح، فهل ثمة ما هو أوضح وأظهر في الدلالة على عظمة هذا البر وهو يكرر الأمر ثلاثاً ويريد الجهاد مصراً والنبي يرده إلى ذلك الباب والمسلك والطريق ليمهد له به عملاً له أجره في الآخرة وله نفعه في الدنيا بإذن الله سبحانه وتعالى؟! وهكذا نرى الأمر واضحاً -كما قلنا- في رضا الله عز وجل، فقد ورد الحديث صريحاً بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد) كما رواه أهل الحديث بسند حسن.