للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان والدعوة هي الغاية من بعثته صلى الله عليه وسلم]

دعا النبي صلى الله عليه وسلم قومه وقبيلته وأهل مكة سراً وعلانية، جمعاً وأفراداً، سعى بكل الوسائل، فلما ضاقت السبل، وسدت الأبواب، وعتا الطغاة، وتجبر الجاهليون؛ هل ركن ليكون في دائرة نفسه، أم كانت دعوته وإيمانه أعظم شيء في حياته، وهي غاية وجوده ومهمته التي انتدبه الله عز وجل إليها وابتعثه في هذه الخليقة لأجلها، والتمس عليه الصلاة والسلام له ولأصحابه طرقاً يشقون بها المسار لتحقيق دعوة الله وإقامتها في هذه الحياة كما أراد الله سبحانه وتعالى! هيأ لأصحابه سبيل هجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الثانية، ثم مضى بنفسه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف يبتغي قوماً يؤمنون بهذه الدعوة ويحملونها في قلوبهم وعلى أكتافهم ويصبغون بها حياتهم، ويجعلونها الهدف الأسمى والغاية العظمى التي يوظفون لأجلها الطاقات والجهود والأموال، بل ويبذلون من أجلها الأرواح والدماء، فوجد صداً وإعراضاً، فرجع عليه الصلاة والسلام لم تلن له قناة، ولم يفتر له عزم، ولم يدب إلى قلبه يأس، ولم يحصل في نفسه قنوط عليه الصلاة والسلام.

كان يحمل بين جنبيه نفساً عظيمة، وهما ً كبيراً هو هم هذه الدعوة والإيمان كيف يغرسه في القلوب، كيف يوصله إلى العقول، كيف يخاطب به كل أذن، كيف يجلي حقيقته لكل عين وبصر وبصيرة؛ ولذلك مضى عليه الصلاة والسلام يلتمس المواسم، يمضي إلى القبائل، يعرض نفسه على هؤلاء وهؤلاء، يريد من يجعل الدعوة والإيمان راية حياته، حتى تهيأت الأسباب، وجاء نفر الأنصار الأوائل، وكانت بيعة العقبة الأولى والثانية، ما الذي كان فيها؟ (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً لكم عليه من الله برهان) حديث عبادة بن الصامت في بيعة العقبة.

وعندما جاء الصحابة يبايعونه ومقدمهم أسعد بن زرارة رضي الله عنه، قال أبو التيهان من الصحابة: تمهلوا أيها القوم، واعلموا أنكم تبايعون رجلاً على حرب الأسود والأحمر وعلى دمائكم وأرواحكم، فانظروا ما أنتم عليه مقبلون، فقالوا: أمط عنا، فوالله لا نقيل ولا نستقيل، (أن تحموني مما تحمون منه نسائكم وأنفسكم وأموالكم) فأعطوا على ذلك بيعتهم، قالوا: فما لنا يا رسول الله إن فعلنا ذلك؟ فلم يعدهم بعرض من الدنيا ولا بحكم ولا سلطان، ولا بملك ولا صولجان، وإنما قال: (لكم الجنة) راية عظمى، إخلاص متجرد، مقصد أسمى من الدنيا وما فيها ومن فيها، لم تتعلق القلوب حينئذ ببعض الدنيا، لم تتعلق بمتعها.