[الدورات الصيفية للشباب من عوامل التربية]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعمر قلوبنا بالتقوى.
وإن مما ينبغي لفت النظر إليه ونحن اليوم نستقبل أول أيام الإجازة الصيفية أن ننبه الآباء والأمهات على مسئوليتهم التربوية تجاه أبنائهم في هذه الإجازة الممتدة أشهراً متعاقبة، وأوقاتاً متطاولة، أن يعنوا بإعطائهم من الوقت والجهد والتوجيه ما هم في أمس الحاجة إليه، وهنا أشير إشارات متنوعة: هناك برامج كثيرة في بلادنا تشغل الأوقات، وتعمر القلوب بالتقوى، وترطب الألسنة بالذكر، وتوجه العقول إلى الخير، وتقوم السلوك والأخلاق على النهج القويم، حلقات ودورات صيفية للقرآن الكريم، حفظاً وتلاوةً وتجويداً وتفسيراً وتعليماً، تمتلئ بها مساجد هذه البلاد الطيبة، يتلقى فيها الأبناء في هذا الوقت جرعة عظيمة مكثفة، من كتاب الله عز وجل بحسب فراغ الوقت، وامتداد الصيف، فإذا بهذه القلوب تتشرب آيات الله عز وجل، والصدور تحفظ عن ظهر قلب كلام الله سبحانه وتعالى، وإذا بها تشيع فيها أحكام وآداب وأخلاق القرآن الكريم التي تهدي إلى ما هو أقوم كما أخبر الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩].
كذلك الدورات العلمية الشرعية التي تمتلئ بها كثير من المساجد الكبيرة، وأقربها إلينا ما نذكر به دائماً مسجد الملك سعود الذي فيه الدورة الصيفية الشرعية المستمرة لسنوات طويلة، دروس في الفقه، وأخرى في السيرة، وثالثة في علوم القرآن، ورابعة في غيره، وفي هذا يوجد في وقت يسير ومتاح ومتعاقب في الأيام والأسابيع المتوالية معنا في هذه الدورات من مسابقات علمية تحث على معرفة كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاطلاع على كتب الأئمة والعلماء، ومعالجة أوضاع واقعنا المعاصر لشبابنا وشاباتنا على وجه الخصوص.
فأي خير أعظم وأنفع لأبنائنا وبناتنا من مثل هذه الدورات! وهي متاحة للذكور والإناث بحمد الله عز وجل، ومن وراء ذلك المخيمات الدعوية بما فيها من البرامج الترفيهية المباحة، وفرص للأطفال في اللهو واللعب والتوجيه والإرشاد، معنا في ذلك أيضاً من البرامج المختلفة المتنوعة من الأمسيات والندوات الشعرية، وفوق ذلك وقبله المحاضرات التوعوية الإرشادية النافعة، وحسبنا أن نشير إلى أن المخيم القريب منا في أرض المطار القديم، قد زاره ووفد إليه في العام الماضي نحو نصف مليون من الرجال والنساء، وبعد ذلك ومعه كذلك المراكز الصيفية المتنوعة المختلفة، بما فيها من برامج الرياضة والفكاهة والترفيه، ومع ما فيها من الدورات التأهيلية والتدريبية، ومع ما فيها أيضاً من الدروس والمحاضرات والبرامج المتنوعة.
فأي خير أعظم من هذا! ونحن نرى ذلك ونرى أن استمراره وزيادته إنما يشكل بؤرة لاحتواء الشباب، واستغلال أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة، وكذلك للأبناء الكبار فرص من العمل في بعض الوظائف يتعودون فيها على الجد، ويحرصون فيها على الكسب، ويكتسبون خبرات الحياة، والآفاق في ذلك واسعة، فما على الآباء والأمهات إلا أن يولوا العناية والاهتمام، لا أن يصيحوا ويقولوا: ماذا نفعل؟! وليس عندنا وقت، إن لم يكن عندك وقت فليكن لك وقت أن تجلس معهم، وأن تتجاذب معهم أطراف الحديث، وأن تتشاور معهم في الالتحاق ببعض هذه البرامج، فإذا دخلوا فيها شغلوا أوقاتهم بالنافع المفيد، وأصبح دورك في المشاركة معهم في بعض البرامج متمماً ومكملاً وكافياً بإذن الله عز وجل.
فهذه فرص عظيمة، وهذه مزايا قل أن يوجد مثلها في غير هذه البلاد، فلا ينبغي لنا إلا أن نحرص على الانتفاع منها، والتشجيع عليها، والطلب من الاستزادة منها، والتنويه والذكر لدورها وفائدتها وأثرها، وذلك ما أحببت أن أشير إليه كرابط لدور التربية للآباء والأمهات.
نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا، وأن يصلح شبابنا وشاباتنا، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، ومن ورثة جنة النعيم، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، وحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وأخلص نياتنا، وضاعف حسناتنا، وارفع درجاتنا، وبلغ فيما يرضيك آمالنا.
اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أحصهم اللهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، رد اللهم كيدهم في نحرهم، واشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، وخالف كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، أرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، أنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا متين! اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنهم طغوا وبغوا وتجبروا وتكبروا، وأذلوا عبادك المؤمنين، وانتهكوا حرمات المسلمين، اللهم فاكفناهم بما شئت يا رب العالمين، واشف اللهم فيهم صدور قوم مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين، والمعذبين والمشردين المبعدين، والأسرى والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل اللهم لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.
اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه وشر وضر يا رب العالمين! اللهم يسر لنا أمنها وأمانها وسلمها وسلامها، ورزقها ورغد عيشها، وردها وجميع المسلمين إلى دينك رداً جميلاً يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا بالحق مستمسكين، ولكتابك متبعين، ولسنة نبيك صلى الله عليه وسلم مقتفين، ولآثار السلف الصالح متابعين، اللهم يا رب العالمين لا تضلنا بعد الهدى، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا رب العالمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرض العراق وفي أرض فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم وحد كلمتهم وأعل رايتهم، وقو شوكتهم، وسدد رميتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.