للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلامة عاطف أفندي]

ثم أنتقل بكم إلى صور أخرى يتجلى فيها أثر الإباء والاستعلاء بصورة أكبر وأكثر، حتى نرى أن العطاء له أثر، ولكن ربما كان لموقف إباء آثار أعظم من كثير من العطاء؛ لأن الإباء يدل على أن المؤمن الحق لا يرضى ولا يقبل أن يعطي الدنية في دينه.

أتاتورك الذي حارب الإسلام وقوض الخلافة وأعلن العلمانية، وغرب بلاد الإسلام، وفعل الأفاعيل في وقته، وفي زمانه خضعت كثير من الرقاب له وخافت من سطوته، لكن أبطالاً من العلماء وأئمة من أفذاذ الدعاة وقفوا له، ومنهم عالم مغمور السيرة لا يكاد يعرفه أحد، هو الشيخ الإمام عاطف أفندي.

قف هذا الإمام ضد هذه الموجة العاتية مع نفر قليل من العلماء أمثاله، فأصدر حينئذ الفتاوى التي تعلن وجوب إقامة الخليفة المسلم، وأن ذلك ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، في الوقت الذي قوضت فيه الخلافة، ثم أصدر رسالة أسماها: (التستر الشرعي)، تختص بشأن المرأة المسلمة وأحكام حجابها وضرورة حيائها، وأهمية عفتها في الوقت الذي نزع فيه الحجاب وأبيح الخمر وغير ذلك.

ثم سطر رسالة في تقليد الفرنجة ولبس القبعة؛ لأنه قد ألغي لباس المسلمين وصار محرماً بحكم القانون، فمن كان يلبس لباس أهل الإسلام أو لباس العلماء يحال إلى المحكمة ويسجن، وهذا يصدر رسالة يفتي بها بأن التقليد للغرب على سبيل التعظيم قد يخرج صاحبه من الملة، وعلى سبيل الافتتان معصية كبيرة، وما كان له بعد ذلك أن يترك، فقد أخذ وسجن وحوكم وحكم عليه بالإعدام وأعدم لقوله الحق في شأن قبعة أنكر على من يلبسها تعظيماً لغير أهل الإسلام وتبكيتاً لأهل الإسلام.

وهكذا سنجد الصور كثيرة، وهي عديدة حتى في زمننا الحاضر، وأردت بهذا التطواف اليسير أن ندرك تماماً أننا إذا أذكينا هذه الروح فسنجد أنهاراً متدفقة تبلغ كلمة الله وتبلغ دين الله عز وجل، وسنجد أيضاً سدوداً منيعة تقف أمام كل من تسول له نفسه أن يجترئ على حكم من أحكام الشريعة، أو أن يستهين بسنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.

لماذا إذا وجدنا شيئاً من ذلك لم تكن لنا ألسنة ناطقة ولا أيد كاتبة؟ لم لا نوصل أصواتنا ونوصل آراءنا ونوصل غضبتنا إلى كل من يحتج أو يعترض أو ينتقد فضلاً عمن يستهين أو يهين شيئاً من شعائر الإسلام؟ لو فعلنا ذلك لرأينا عجباً من أمور حياتنا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.