[التجمل والتزين لدخول المسجد]
إن هذه البيوت بيوت الله سبحانه وتعالى؛ لأجل ذلك أمرنا الله ونبهنا أن نراعي ما يجب لها فقال: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:٣١]، قال ابن كثير في تفسيره: وفي هذه الآية مع ما ورد في السنة النبوية أنه يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد، ويستحب الطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك.
وقال السعدي: كذلك يحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن، ففي هذه الآية الأمر بستر العورة في الصلاة، واستعمال التجمل فيها، ونظافة السترة من الأدناس والأرجاس.
ونحن إذا ذهبنا لزيارة أحد من الأصدقاء فضلاً عن الفضلاء تزينا لذلك، ولبسنا من الثياب أحسنها، ووضعنا من أنواع الطيب أعطرها، وجعلنا لأنفسنا من الهيئات أفضلها، فإذا جاء بعضنا إلى المساجد رأيته وهو يأتي بثياب النوم التي لا يرضى أن يستقبل بها أحداً في بيته.
وربما وجدت بعضهم وهو يأتي في ثياب مهنته وقد اسود بعضها، وفي بعضها من القذر وكراهة الرائحة ما فيها، وبعضهم يأتي بملابس قد كتب عليها من الكلمات ومن الصور ما لا يليق أن يكون في بيت من بيوت الله عز وجل، وربما وجدت بعضاً وفي لباسه ما يعد مخالفاً لستر العورة إما من قصر أو ضيق أو تشبه أو نحو ذلك، وهذا خلاف الأمر الرباني لأخذ الزينة اللازمة.
وكان من هيئة الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله أنه إذا خرج إلى المسجد اغتسل ولبس أحسن ثيابه وتطيب، فإذا خرج لم يكن يكلم أحداً ولا يكلمه أحد حتى يدخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلي، ثم يشرع فيحدث بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، هكذا كانوا يعرفون حق قدومهم على بيوت الله عز وجل من غير مخيلة ولا رياء ولا مبالغة، ومن غير استهانة وتفريط وعدم مراعاة حرمة وقدر، وغير ذلك.
وكذلك نذكر هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور المعروف الذي يتبادله الناس ويتذاكرونه وكثيراً ما يخالفونه، وهو حديث جابر عند البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته).
قال بعض العلماء استنباطاً من هذا الحديث: إن الآكل لهذه الثمرة قبل الصلاة تسقط عنه الجماعة، ويجب عليه ألا يصلي مع الناس لئلا يؤذيهم.
والمقصود هنا كراهة الرائحة، وكل ما هو من هذا الباب داخل فيه وملحق به، فالمدخنون الذين يؤذون الناس برائحتهم شاءوا أم أبوا قد آذوا المصلين وآذوا ملائكة الله المقربين، وكانوا على هيئة ليست هي الهيئة التي يحبها الله لمن يأتي إلى بيته ليتعبد ويذكر ويسجد، ومثل ذلك من يأتون إلى المساجد بعد أن فرغوا من أعمالهم مباشرة من غير أن يتهيئوا ولو بمسح وجوههم، ولو بإزالة العرق عن جباههم، فضلاً عن أن يغيروا ملابسهم؛ ليزيلوا هذه الروائح الكريهة.
وبعضهم يأتي والأقذار على بدنه أو على ثيابه، ينفرك منظره من أن تكون إلى جواره في الصف، وتضايقك رائحته، فلا تكاد تشعر بما تريد أن تقبل عليه من طاعة الله وعبادته، فبالله عليكم هل مثل هذا إذا أراد أن يذهب لزيارة صديق من أصدقائه سيذهب على تلك الهيئة؟! أهانت بيوت الله عز وجل في النفوس حتى بلغت مثل هذا المبلغ؟ وهل ذهب الاستشعار والتعظيم لبيوت الله عز وجل حتى ندخلها كأنما ندخل مكاناً لا قيمة له ولا حرمة ولا اعتبار؟! إنها صور تكررت حتى صارت مألوفة، وحتى أصبح مثل قولي هذا مستنكراً مستهجناً، أو يعد فيه من المبالغة ما فيه، وأنه تشديد في غير موضعه، فبالله عليكم إن لم نتواص بذلك في بيوت الله التي نجعلها لطاعة الله عز وجل فبمَ نتواصى من بعد؟ ونحن نعرف من هذا صوراً كثيرة، ونحسب أننا إذا تذكرنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وإذا عرفنا آدابه وهديه الذي تلقاه عنه أصحابه فإننا ندرك أن المخالفة للسنة والهدي ليست في الصور المحدودة التي تجول في أذهاننا، بل هي في جملة هذا الهدي، ومنه تعظيم المساجد ومراعاة حرمتها، وأخذ الأدب اللازم واللائق بها.
روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما رجل خرج من بيته يوم الجمعة واغتسل ثم ادهن وتطيب من طيب امرأته، فخرج يريد الصلاة، ثم دخل فصلى ركعتين ولم يحدث أحداً، فأنصت حتى يفرغ الإمام ثم صلى مع الناس؛ غفر الله له ما بين تلك الجمعة إلى الجمعة الأخرى).
فانظروا إلى مجموع الوصف كله؛ فهو الذي يوجب لصاحبه ذلك الأجر، وبقدر النقص يكون النقص، فإن من لا يراعي ذلك ولا يتهيأ له لا ينال مثل هذا الأجر في هذا الحديث.
ونحن نعلم أيضاً أن النفوس تتأثر بالأعمال، فإذا جئنا لنخرج إلى المسجد استحضرنا هذه المعاني، ثم عملنا من العمل تطيباً وتطهراً وإحساناً في اللباس واستحضاراً للنية ووقاراً في الهيئة وكفاً للسان وغير ذلك؛ فإننا إن جئنا إلى المسجد حضرت وخشعت قلوبنا، وتذكرت عقولنا، وكنا على حال غير الحال التي نكون فيها.